الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              ( . وهرة تتلف طيرا أو طعاما إن عهد ذلك منها ) مرتين أو ثلاثا على الخلاف الآتي في تعلم الجارحة فيما يظهر ، ثم رأيت شارحا اعتمده وشيخنا اعتمد الاكتفاء بمرة ، وقال : إنه قضية كلامهما ، وكأنه أخذه من العادة في الحيض وما قست عليه أنسب بما هنا كما لا يخفى . ( ضمن مالكها ) يعني من يؤويها ما دام مكن لم يملكها مؤويا لها أي قاصدا إيواءها بخلاف ما إذا أعرض عنها فيما يظهر ( في الأصح ليلا ونهارا ) [ ص: 210 ] إن أرسلها أو قصر في ربطها ؛ إذ مثل هذه ينبغي أن يربط ويكف شره ليلا ونهارا ، فعدم إحكام ربطه تقصير ومن ثم كان مثلها في ذلك كل حيوان عرف بالإضرار ، وإن لم يملك فيضمن ذو جمل أو كلب عقور ما يتلفه إن أرسله أو قصر في ربطه ، وإنما لم يضمن من دعاه لداره وببابها نحو كلب عقور مربوط لم يعلمه به فافترسه لتقصير المدعو بعدم دفعه بنحو عصا مع ظهوره وعدم تقصير ذي اليد بربطه بخلاف مدعو لدار بها بئر مغطاة أو محلها مظلم أو المدعو به نحو عمى ؛ لأن الداعي حينئذ هو المقصر بعد إعلام المدعو بها ؛ إذ لا حيلة له حينئذ في الخلاص منها ، ( وإلا ) يعهد ذلك منها ( فلا ) يضمن ( في الأصح ) ؛ لأن العادة حفظ الطعام عنها لا ربطها ، ولا يجوز قتل التي عهد منها ذلك إلا حالة عدوها فقط أي : إن لم يمكن دفعها بدون القتل كالصائل كما دل عليه كلام الشيخين ، وجوزه القاضي مطلقا كالفواسق الخمس ، وردوه بأن ضراوتها عارضة . ومحل الخلاف في غير الحامل ؛ إذ لا جناية من حملها كذا قيل وفيه نظر ، ويلزم قائله أن الدابة الحامل لو صالت على إنسان لا يدفعها وهو بعيد جدا ، فالوجه جواز الدفع ، بل وجوبه ، ولا نظر للحمل ، وإن قلنا : إنه يعلم ؛ لأنا لم نتيقن حياته وتيقنا إضرارها لو لم يدفعها فروعي . والله أعلم .

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              حاشية ابن قاسم

                                                                                                                              ( قوله : فيضمن ذو جمل ) أي : عرف بالإضرار كما هو صريح السياق ألا ترى إلى تفريعه على ما قبله ؟ فمفهومه أنه إذا لم يعرف بالإضرار ولا يضمن بإرساله فقد يخالف قوله : السابق أما لو أرسلها في البلد فيضمن مطلقا إلا أن يكون ما هنا عند اعتياد الإرسال في البلد بناء على اعتبار العادة في ذلك على ما تقدم أو مفروضا في إرساله في الصحراء وفيه نظر ؛ لأن الظاهر أن ما نحن فيه لا فرق فيه بين الإرسال بالبلد والصحراء فليتأمل



                                                                                                                              حاشية الشرواني

                                                                                                                              ( قوله : وشيخنا اعتمد الاكتفاء بمرة ) وافقه النهاية وقال ع ش : هو المعتمد ا هـ . ( قول المتن : أو طعاما ) أي : أو غيرهما إن عهد ذلك منها أي : عهد المالك ونحوه ذلك منها ا هـ . مغني . ( قوله : وما قست عليه ) أي : من تعلم الجارحة . ( قوله : يعني من يأويها ) أي : فليس ملكها قيدا حتى لو كانت مملوكة للغير وآواها غيره تعلق الضمان به ، وإلا فالهرة تملك كما صرحوا به ، وهو ظاهر ؛ لأنها من جملة المباحات تملك بوضع اليد عليها هكذا ظهر من تفسير الشارح فانظر هل الحكم كذلك ؟ ا هـ . رشيدي أقول : ويصرح بما قاله قول شرح الروض ، وقوله : مالكها مثال ، والمراد من يأويها ا هـ . ثم قال الروض : والفواسق الخمس لا تعصم ولا تملك ولا أثر لليد فيها باختصاص ا هـ . وقال شارحه : وألحق بها الإمام المؤذيات بطباعها كالأسد والذئب ا هـ . ( قوله : من يؤويها ) الأنسب لما بعده من يأويها من باب الأفعال كما عبر به النهاية . ( قوله : أي : قاصدا إيواءها ) أي : بحيث لو غابت تفقدها وفتش عليها ا هـ . [ ص: 210 ] ع ش . ( قوله : إن أرسلها إلخ ) نعم لو ربطها فانفلتت بغير تقصير منه فلا ضمان نهاية أي : ويصدق في ذلك ع ش . ( قوله : إذ مثل هذه ) إلى قوله : وإنما لم يضمن في النهاية ، وكذا في المغني إلا قوله : وإن لم يملك .

                                                                                                                              ( قوله : كان مثلها كل حيوان إلخ ) أي : فيضمن ذو اليد ما أتلف ذلك الحيوان وإن سلمه لصغير لا يقدر على منعه من الإضرار بخلاف ما إذا سلمه لمن يقدر على حفظه فأتلف شيئا ، فالضمان على من هو بيده كما علم من قول المصنف من كان مع دابة إلخ ا هـ . ع ش . ( قوله : عرف بالإضرار ) كالجمل والحمار اللذين عرفا بعقر الدواب وإتلافها ا هـ . مغني . ( قوله : فيضمن ذو جمل ) أي : عرف بالإضرار كما هو صريح السياق ألا ترى إلى تفريعه على ما قبله ، فمفهومه أنه إذا لم يعرف بالإضرار لا يضمن بإرسالها فقد يخالف قوله السابق : أما لو أرسلها في البلد فيضمن مطلقا إلا أن يكون ما هنا عند اعتياد الإرسال في البلد بناء على اعتبار العادة في ذلك على ما تقدم أو مفروضا في إرساله في الصحراء ا هـ . سم عبارة عميرة على المنهج قوله : بخلاف ما إذا لم يكن عاديا أي : فإنه إن كان مما لا يعتاد ربطه كالهرة لم يضمن مطلقا ، وإلا ضمن نهارا لا ليلا كما فهم بالأولى ا هـ . ( قوله : بها ) أي : بالدار أي : في داخلها . ( قوله : به نحو عمى ) الجملة خبر المدعو . ( قوله : يعهد ذلك ) إلى قوله : كما دل عليه في النهاية والمغني . ( قوله : أي : إن لم يمكن إلخ ) عبارة النهاية حيث تعين قتلها طريقا لدفعها ، وإلا دفعها كالصائل وشمل ذلك ما لو خرجت أذيتها عن عادة القطط وتكرر ذلك منها ا هـ . قال ع ش أي : أما إذا لم يتعين بأن أمكن دفعها بضرب أو زجر فلا يجوز قتلها ، بل يدفعها بالأخف فالأخف كدفع الصائل ، ومنه ما لو كانت الهرة صغيرة لا يفيد معها الدفع بالضرب الخفيف ، ولكن يمكن دفعها بأن يخرجها من البيت ويغلقه دونها أو بأن يكرر دفعها عنه مرة بعد أخرى فلا يجوز قتلها ولا ضربها ضربا شديدا ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : وجوزه القاضي ) أي : القتل مطلقا أي : في حالة عدوها وغيرها أمكن دفعها بدون القتل أم لا قال الشارح في الإمداد : وكان ابن عبد السلام اعتمده حيث أفتى بقتل الهر إذا خرج أذاه عن العادة وتكرر منه واختاره الأذرعي في هر مهمل لا مالك له إلحاقا بالكلب العقور ورجحه في المملوك أيضا ؛ لأنه لا تبقى له قيمة مع ظهور إفساده ا هـ . ( قوله : فالوجه جواز الدفع ) وفاقا للنهاية عبارتها وشمل ما تقرر ما لو كانت حاملا فتدفع أي : وإن سقط حملها كما لو صالت وهي حامل وسئل البلقيني عما جرت به العادة من ولادة هرة في محل وتألف ذلك المحل بحيث تذهب وتعود إليه للإيواء فهل يضمن مالك المحل متلفها وأجاب بعدمه حيث لم تكن في يد أحد ، وإلا ضمن ذو اليد ا هـ . ( خاتمة ) لو دخلت بقرة مثلا مسيبة ملك شخص فأخرجها من موضع يعسر عليها الخروج منه فتلفت ضمنها ، ولو ضرب شجرة في ملكه ليقطعها ، وعلم أنها إذا سقطت على غافل عن ذلك ولم يعلمه القاطع به فسقطت عليه فأتلفته ضمنه ، وإن دخل ملكه بغير إذنه فإن لم يعلم القاطع بذلك أو علم به ذلك الإنسان أيضا أو لم يعلم به لكن أعلمه القاطع به أو لم يعلما به لم يضمنه إذ لا تقصير منه ، ولو حل قيد دابة غيره لم يضمن ما تتلفه كما لو نقب الحرز وأخذ المال غيره ، ولو أتلفت الدابة المستعارة أو المبيعة قبل قبضها زرعا مثلا لمالكها ضمنه المستعير والبائع ؛ لأنها في يديهما أو أتلفت ملك غيرهما فإن كان الزرع للبائع لم يضمنه وإن كان ثمنا للدابة ؛ لأنها أتلفت ملكه ويصير قابضا للثمن بذلك كما مر في محله وسئل القفال عن حبس الطيور في أقفاص لسماع أصواتها وغير ذلك فأجاب بالجواز إذا تعهدها مالكها بما تحتاج إليه ؛ لأنها كالبهيمة تربط ا هـ . مغني ، وكذا في الروض مع شرحه إلا قوله : وسئل القفال إلخ




                                                                                                                              الخدمات العلمية