الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  2686 56 - حدثني سعد بن حفص قال : حدثنا شيبان عن يحيى عن أبي سلمة أنه سمع أبا هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : من أنفق زوجين في سبيل الله دعاه خزنة الجنة ، كل خزنة باب ، أي فل هلم ، قال أبو بكر : يا رسول الله ، ذاك الذي لا توى عليه ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : إني لأرجو أن تكون منهم .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة ظاهرة ، وسعد بن حفص أبو محمد الطلحي الكوفي يقال له : الضخم ، وهو من أفراده ، وشيبان ، بفتح الشين المعجمة وسكون الياء آخر الحروف وبالباء الموحدة ابن عبد الرحمن النحوي ، ويحيى هو ابن كثير ، وأبو سلمة هو ابن عبد الرحمن بن عوف .

                                                                                                                                                                                  والحديث أخرجه البخاري أيضا في بدء الخلق عن آدم ، وأخرجه مسلم في الزكاة عن محمد بن رافع ، وعن محمد بن حاتم .

                                                                                                                                                                                  قوله : " من أنفق زوجين " أي : شيئين من أي نوع كان مما ينفق ، وقال الكرماني : والزوج خلاف الفرد ، وكل واحد منهما يسمى أيضا زوجا . قلت : ينبغي أن يطلق هنا على الواحد قطعا ، وقال الخطابي : يريد بالزوجين أن يشفع إلى كل شيء ما يشفعه من شيء مثله إن كان دراهم فبدرهمين ، وإن كان دنانير فبدينارين ، وإن كان سلاحا وغيره كذلك ، وقال الداودي : يقع الزوج على الواحد والاثنين ، وهنا على الواحد واحتج بقوله خلق الزوجين واعترضه ابن التين ، فقال : ليس قوله ببين . قلت : هذا بين فلا وجه لاعتراضه ، قوله : " خزنة الجنة " الخزنة جمع خازن ، وهو الذي يخزن تحت يده الأشياء ، قوله : " كل خزنة باب " قال بعضهم : كأنه من المقلوب . قلت : لا حاجة إلى قوله "كأنه" ; بل هو من المقلوب إذ أصله خزنة كل باب ، قوله : " أي فل " كلمة أي : حرف نداء وقوله : " فل " روي بضم اللام وفتحها وأصله فلان فحذف منه الألف والنون بغير ترخيم ولفظ فلان كناية عن اسم سمي به المحدث عنه ، ويقال في النداء : يا فل ، وإنما قلنا بغير ترخيم إذ لو كان ترخيما لقيل يا فلا ، قوله : " هلم " معناه تعال يستوي فيه الواحد والجمع في اللغة الحجازية ، وأهل نجد يقولون : هلم هلما هلموا ، قوله : " لا توى عليه " أي : لا ضياع عليه ، وقيل : لا هلاك من قولك توى المال يتوي توى ، وقال ابن فارس : التوى يمد ويقصر وأكثرهم على أنه مقصور ، وقال المهلب في هذا الحديث : إن الجهاد أفضل الأعمال ; لأن المجاهد يعطى أجر المصلي والصائم والمتصدق ، وإن لم يفعل ذلك ، ولأن باب الريان للصائمين ، وقد ذكر في هذا الحديث أن المجاهد يدعى من تلك الأبواب كلها بإنفاق قليل من المال في سبيل الله ، انتهى . قلت : هذا الذي ذكره إنما يتمشى على القول بأن المراد بقوله : " في سبيل الله " الجهاد ، والأكثرون على أن المراد به ما هو أعم من الجهاد وغيره من الأعمال الصالحة ، ويؤيد هذا ما جاء في الحديث من زيادة أخرجها أحمد وهي قوله فيه "لكل أهل عمل باب يدعون بذلك العمل" والله أعلم .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية