الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  2733 103 - حدثنا سليمان بن داود أبو الربيع عن إسماعيل بن زكرياء قال : حدثنا عاصم عن مورق العجلي عن أنس - رضي الله عنه - قال : كنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - أكثرنا ظلا الذي يستظل بكسائه ، وأما الذين صاموا فلم يعملوا شيئا ، وأما الذين أفطروا فبعثوا الركاب وامتهنوا وعالجوا ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : ذهب المفطرون اليوم بالأجر .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  قيل : هذا الحديث من الأحاديث التي أوردها في غير مظانها ; لكونه لم يذكره في الصيام ، واقتصر على إيراده هنا . قلت : يمكن أن يقال : إن له بعض مظنة هنا ، وهو أن قوله : " فبعثوا الركاب وامتهنوا وعالجوا " عبارة عن الخدمة ; لأن معنى قوله : " بعثوا الركاب " أي : إلى الماء للسقي والركاب بالكسر الإبل التي يسار عليها ، ومعنى قوله : " وامتهنوا " أي : خدموا ; لأن الامتهان الخدمة والابتذال ، ومعنى قوله : " وعالجوا " أي : تناولوا الطبخ والسقي ، وكل هذا عبارة عن الخدمة ، وهي أعم من أن يخدموا أنفسهم أو يخدموا غيرهم أو يخدموا أنفسهم وغيرهم ; بل هم خدموا الصائمين ; لأنهم سقطوا على ما يجيء من رواية مسلم ، وكان ذلك في السفر ; لأن في رواية مسلم عن مورق عن أنس قال : كنا مع النبي - صلى الله تعالى عليه وآله وسلم - في السفر ، الحديث ، فحينئذ يطابق الحديث الترجمة من هذا الوجه .

                                                                                                                                                                                  وسليمان بن داود أبو الربيع العتكي الزهراني البصري ، وإسماعيل بن زكرياء أبو زياد الخلقاني الكوفي ، وعاصم هو ابن سليمان الأحول ، ومورق بكسر الراء المشددة وبالقاف العجلي ، وهما تابعيان في نسق ، وقال بعضهم : والإسناد كله بصريون . قلت : ليس كذلك ، وإسماعيل ومورق كوفيان .

                                                                                                                                                                                  والحديث أخرجه مسلم في الصوم عن أبي بكر بن أبي شيبة ، وعن أبي كريب ، وأخرجه النسائي فيه عن إسحاق بن إبراهيم .

                                                                                                                                                                                  قوله : " أكثرنا ظلا من يستظل بكسائه " يريد لم يكن لهم أخبية ، وذلك لما كانوا عليه من القلة ، وفي رواية مسلم "فنزلنا منزلا في يوم حار ، أكثرنا ظلا صاحب الكساء ، فمنا من يتقي الشمس بيده ، وأما الذين صاموا فلم يعملوا شيئا يعني لعجزهم" ، وفي رواية مسلم "فسقط الصوامون" ، قوله : " وأما الذين أفطروا إلى قوله وعالجوا " قد ذكرناه الآن ، وفي رواية مسلم "وقام المفطرون فضربوا الأبنية وسقوا الركاب" ، قوله : " ذهب المفطرون بالأجر " أي : بالأجر الأكمل الوافر ; لأن نفع صوم الصائمين قاصر على أنفسهم ، وليس المراد نقص أجرهم ; بل المراد أن المفطرين حصل لهم أجر عملهم ومثل أجر الصوام لتعاطيهم أشغالهم وأشغال الصوام .

                                                                                                                                                                                  قيل : فيه أن أجر الخدمة في الغزو أعظم من أجر الصيام ، وفيه أن التعاون في الجهاد وفي خدمة المجاهدين في حل وارتحال واجب على جميع المجاهدين ، وفيه جواز خدمة الرجل لمن يساويه ; لأن الخدمة أعم كما ذكرنا .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية