وقال رجل لعلي كرم الله وجهه يا أمير المؤمنين ، صف لنا الدنيا قال : وما أصف لك من دار من صح فيها سقم ومن أمن ، فيها ندم ، ومن افتقر فيها حزن ، ومن استغنى فيها افتتن ، في حلالها الحساب ، وفي حرامها العقاب ومتشابهها العتاب وقيل له ذلك مرة أخرى فقال : أطول أم أقصر ، فقيل : قصر ، فقال : حلالها حساب ، وحرامها عذاب وقال مالك بن دينار اتقوا السحارة ، فإنها تسحر قلوب العلماء ; يعني الدنيا .
وقال أبو سليمان الداراني إذا كانت الآخرة في القلب جاءت الدنيا تزاحمها فإذا كانت الدنيا في القلب لم تزاحمها الآخرة لأن الآخرة كريمة ، والدنيا لئيمة وهذا تشديد عظيم ، ونرجو أن يكون ما ذكره سيار بن الحكم أصح ; إذ قال : الدنيا والآخرة يجتمعان في القلب ، فأيهما غلب كان الآخر تبعا له وقال مالك بن دينار بقدر ما تحزن للدنيا يخرج هم الآخرة من قلبك ، وبقدر ما تحزن للآخرة يخرج هم الدنيا من قلبك وهذا اقتباس مما قاله علي كرم الله وجهه حيث قال الدنيا والآخرة ضرتان ، فبقدر ما ترضي إحداهما تسخط الأخرى وقال الحسن والله لقد أدركت أقواما كانت الدنيا أهون عليهم من التراب الذي تمشون عليه ، ما يبالون أشرقت الدنيا أم غربت ، ذهبت إلى ذا أو ذهبت إلى ذا وقال رجل للحسن ما تقول في رجل آتاه الله مالا ، فهو يتصدق منه ، ويصل منه أيحسن له ، أن يتعيش فيه يعني يتنعم ؟ فقال : لا لو كانت له الدنيا كلها ما كان له منها إلا الكفاف ، ويقدم ذلك ليوم فقره وقال الفضيل لو أن الدنيا بحذافيرها عرضت علي حلالا لا أحاسب عليها في الآخرة لكنت أتقذرها كما يتقذر أحدكم الجيفة إذا مر بها أن تصيب ثوبه وقيل لما : قدم عمر رضي الله عنه الشام فاستقبله أبو عبيدة بن الجراح على الناقة مخطومة بحبل فسلم وسأله ، ثم أتى منزله ، فلم ير فيه إلا سيفه ، وترسه ، ورحله ، فقال له عمر رضي الله عنه : لو اتخذت متاعا ? فقال : يا أمير المؤمنين ، إن هذا يبلغنا المقيل .


