الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ومنهم من إذا سمع المدح لم يسر به ، ولم يغتم به ولم يؤثر فيه ، وهذا على خير ، وإن كان قد بقي عليه بقية من الإخلاص .

ومنهم من يكره المدح إذا سمعه ، ولكن لا ينتهي به إلى أن يغضب على المادح ، وينكر عليه . وأقصى درجاته أن يكره ويغضب ويظهر الغضب وهو صادق فيه ، لا أن يظهر الغضب وقلبه محب له ، فإن ذلك عين النفاق ؛ لأنه يريد أن يظهر من نفسه الإخلاص والصدق ، وهو مفلس عنه وكذلك بالضد من هذا تتفاوت الأحوال في حق الذام ، وأول درجاته : إظهار الغضب ، وآخرها إظهار الفرح ، ولا يكون الفرح وإظهاره إلا ممن في قلبه حنق وحقد على نفسه لتمردها عليه وكثرة عيوبها ومواعيدها الكاذبة وتلبيساتها الخبيثة فيبغضها بغض العدو والإنسان يفرح بمن يذم عدوه ، وهذا شخص عدوه نفسه ، فيفرح إذا سمع ذمها ، ويشكر الذام على ذلك ويعتقد فطنته وذكاءه لما وقف على عيوبها ، فيكون ذلك كالتشفي له من نفسه ، ويكون غنيمة عنده ؛ إذ صار بالمذمة أوضع في أعين الناس حتى لا يبتلى بفتنة الناس ، وإذا سيقت إليه حسنات لم ينصب فيها فعساه يكون خيرا لعيوبه التي هو عاجز عن إماطتها ولو جاهد المريد نفسه طول عمره في هذه الخصلة الواحدة ، وهو أن يستوي عنده ذامه ومادحه لكان له شغل شاغل فيه ، لا يتفرغ معه لغيره وبينه وبين السعادة عقبات كثيرة هذه إحداها ، ولا يقطع شيئا منها إلا بالمجاهدة الشديدة في العمر الطويل .

التالي السابق


(ومنهم من إذا سمع المدح لم يسر به، ولم يغتم به، ولكن لا يؤثر فيه، وهذا على خير، وإن كان قد بقي عليه بقية من الإخلاص) بسبب عدم اغتمامه .

(ومنهم من يكره المدح إذا سمعه، ولكن لا ينتهي به إلى أن يغضب على المادح، وينكر عليه .

وأقصى درجاته أن يكره) المدح (ويغضب) على المادح (ويظهر) من نفسه (الغضب) عليه (وهو صادق فيه، لا لمن يظهر الغضب وقلبه محب له، فإن ذلك عين النفاق؛ لأنه يريد أن يظهر من نفسه الإخلاص والصدق، وهو مفلس منه) مجانب له (وكذلك بالضد) بأن يظهر السرور عند سماع مذمته، وقلبه مبغض له .

(ومن هذا تتفاوت الأحوال في حق الذام، وأول درجاته: إظهار الغضب، وآخرها إظهار الفرح، ولا يكون الفرح وإظهاره إلا ممن في قلبه حنق) محركة، أي: غيرة (وحقد على نفسه لتمردها عليه) أي: عصيانها (ولكثرة عيوبها ومواعيدها الكاذبة وتلبيساتها الخبيثة) وتخديعاتها (فيبغضها بغض العدو) ويمقتها مقت البغيض (والإنسان يفرح بمن يذم عدوه، وهذا شخص عدوه نفسه، فيفرح إذا سمع ذمها، ويشكر الذام على ذلك) وفي نسخة: عليها (ويعتقد فطنته وذكاءه لما وقف على عيوبها، فيكون ذلك كالتشفي له من نفسه، ويكون غنيمة له عنده؛ إذ صار بالمذمة أوضع) أي: أحقر (في أعين الناس) ساقطا، لا يؤبه له (حتى لا يبتلى بفتنة الجاه، وإذا [ ص: 261 ] سبقت إليه حسنات لم ينصب) أي: لم يتعب (فيها فعساه يكون خيرا لعيوبه التي هو عاجز عن إماطتها) أي: إزالتها .

(ولو جاهد المريد نفسه طول عمره في هذه الخصلة الواحدة، وهو أن يستوي عنده ذامه ومادحه لكان له شغل شاغل فيه، لا يتفرغ معه لغيره) من مهمات السلوك (وبينه وبين السعادة) أي: الوصول إليها (عقبات كثيرة) صعبة المرتقى ودونهن حتوف (وهذه إحدى تلك العقبات، ولا يقطع شيء منها إلا بالمجاهدة الشديدة في العمر الطويل) ولكن من لاحظته العناية الإلهية تيسرت له أسباب قطعها في الحال، وسهل عليه الوصول إلى السعادة، ولكل عمل رجال، والله الموفق بمنه .




الخدمات العلمية