الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قسمة ثانية اعلم أن الذنوب تقسم إلى ما بين العبد وبين الله تعالى وإلى ما يتعلق بحقوق العباد ، فما يتعلق بالعبد خاصة ; كترك الصلاة والصوم والواجبات الخاصة به وما يتعلق بحقوق العباد كتركه الزكاة وقتله النفس ، وغصبه الأموال ، وشتمه الأعراض ، وكل متناول من حق الغير ، فإما نفس ، أو طرف ، أو مال ، أو عرض ، أو دين ، أو جاه ، وتناول الدين بالإغواء ، والدعاء إلى البدعة ، والترغيب في المعاصي ، وتهييج أسباب الجراءة على الله تعالى كما يفعله بعض الوعاظ بتغليب جانب الرجاء على جانب الخوف ، وما يتعلق بالعباد فالأمر فيه أغلظ وما بين العبد وبين الله تعالى إذا لم يكن شركا فالعفو فيه أرجى وأقرب ، وقد جاء في الخبر : الدواوين ثلاثة ديوان يغفر ، وديوان لا يغفر ، وديوان لا يترك ; فالديوان الذي يغفر ذنوب العباد بينهم وبين الله تعالى وأما الديوان الذي لا يغفر فالشرك بالله تعالى وأما الديوان الذي لا يترك فمظالم العباد أي لا بد وأن يطالب بها حتى يعفى عنها .

التالي السابق


(قسمة ثانية) للذنوب (اعلم) هداك الله تعالى (أن الذنوب تنقسم) بالنظر الآخر (إلى ما بين العبد وبين الله وإلى ما يتعلق بحقوق العباد، فما يتعلق بالعبد خاصة; كترك الصلاة والصوم) والواجبات الخاصة به، (وما يتعلق بحقوق العباد كتركه الزكاة وقتله النفس، وغصبه الأموال، وشتمه الأعراض، وكل متناول من حقوق الغير، فإما نفس، أو طرف، أو مال، أو عرض، أو دين، أو جاه، وتناول الدين بالإغواء، والدعاء إلى البدعة، والترغيب في المعاصي، وتهييج أسباب الجراءة على الله تعالى كما يفعله بعض الوعاظ بتغليب جانب الرجاء على جانب الخوف، وما يتعلق بالعباد فالأمر فيه أغلظ) وأشد، (وما بين العبد وبين الله تعالى إذا لم يكن شركا فالعفو فيه أرجى وأقرب، وقد جاء في الخبر: الدواوين ثلاثة) جمع ديوان بالكسر، وقد تفتح، فارسي معرب، قال في المغرب: هو الجريدة من دون الكتب إذا جمعها; لأنها قطعة من دون القراطيس مجموعة، قال الطيبي: والمراد هنا صحائف الأعمال (ديوان يغفر، وديوان لا يغفر، وديوان لا يترك; فالديوان الذي يغفر ذنوب العباد بينهم وبين الله تعالى) من ترك صلاة وصوم وغيرهما مما أوجب الله عليه فإنه تعالى كريم، ومن شأن الكريم المسامحة، (وأما الديوان الذي لا يغفر فالشرك بالله تعالى) ، من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ، (وأما الديوان الذي لا يترك [ ص: 530 ] فمظالم العباد) بعضهم بعضا (أي لا بد وأن يطالب بها حتى يعفى عنها) . قال العراقي: رواه أحمد، والحاكم، وصححه من حديث عائشة، وفيه صدقة بن موسى الدقيقي ضعفه ابن معين وغيره، وله شاهد من حديث سلمان، رواه الطبراني، وهو منكر، قاله الذهبي. انتهى .

قلت: ورواه أحمد والحاكم من طريق صدقة بن موسى، عن عمران الجوني، عن يزيد بن بابنوس، عن عائشة، وقد رد الذهبي على الحاكم تصحيحه، وقال: صدقة بن موسى ضعفه الجمهور، ويزيد بن بابنوس فيه جهالة، ولفظهما جميعا: الدواوين يوم القيامة ثلاثة: فديوان لا يغفر الله منه شيئا، وديوان لا يعبأ الله به شيئا، وديوان لا يترك الله منه شيئا; فأما الديوان الذي لا يغفر الله منه شيئا; فالإشراك بالله; قال الله تعالى: إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ، وأما الديوان الذي لا يعبأ الله به شيئا فظلم العبد نفسه فيما بينه وبين ربه، من صوم يوم تركه، أو صلاة تركها، فإن الله يغفر ذلك إن شاء أن يتجاوز. وأما الديوان الذي لا يترك الله منه شيئا فمظالم العباد بينهم القصاص لا محالة .




الخدمات العلمية