الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
السبب الثالث : التكبر بالقوة والأيدي ، ويمنعه من ذلك أن يعلم ما سلط عليه من العلل والأمراض وأنه لو توجع عرق واحد في يده لصار أعجز من كل عاجز ، وأذل من كل ذليل وأنه لو سلبه الذباب شيئا لم يستنقذه منه وأن ، بقة لو دخلت في أنفه أو نملة دخلت في أذنه لقتلته وأن ، شوكة لو دخلت في رجله لأعجزته وأن حمى يوم تحلل من قوته ما لا ينجبر في مدة .

فمن لا يطيق شوكة ، ولا يقاوم بقة ، ولا يقدر على أن يدفع عن نفسه ذبابة فلا ينبغي أن يفتخر بقوته ثم إن قوي الإنسان فلا يكون أقوى من حمار أو بقرة أو فيل أو جمل ، وأي افتخار في صفة يسبقك فيها البهائم .

؟! السبب الرابع والخامس : الغنى وكثرة المال ، وفي معناه كثرة الأتباع والأنصار والتكبر بولاية السلاطين والتمكن من جهتهم ، وكل ذلك تكبر بمعنى خارج عن ذات الإنسان ، كالجمال والقوة والعلم .

، وهذا أقبح أنواع الكبر ؛ فإن المتكبر بماله كأنه متكبر بفرسه وداره ، ولو مات فرسه وانهدمت داره لعاد ذليلا ، والمتكبر بتمكين السلطان وولايته لا بصفة في نفسه بنى أمره على قلب هو أشد غليانا من القدر ، فإن تغير عليه كان أذل الخلق ، وكل متكبر بأمر خارج عن ذاته فهو ظاهر الجهل كيف والمتكبر بالغنى لو تأمل لرأى في اليهود من يزيد عليه في الغنى والثروة والتجمل فأف لشرف يسبقك به اليهودي وأف لشرف يأخذه السارق في لحظة واحدة ، فيعود صاحبه ذليلا مفلسا . فهذه أسباب ليست في ذاته ، وما هو في ذاته ليس إليه دوام وجوده ، وهو في الآخرة وبال ونكال ، فالتفاخر به غاية الجهل ، وكل ما ليس إليك فليس لك ، وشيء من هذه الأمور ليس إليك ، بل إلى واهبه إن أبقاه لك ، وإن استرجعه زال عنك ، وما أنت إلا عبد مملوك لا تقدر على شيء .

ومن ، عرف ذلك لا بد وأن يزول كبره .

ومثاله : أن يفتخر الغافل بقوته وجماله وماله وحريته واستقلاله وسعة منازله ، وكثرة خيوله وغلمانه إذ شهد عليه شاهدان عدلان عند حاكم منصف بأنه رقيق لفلان ، وأن أبويه كانا مملوكين له ، فعلم ذلك وحكم به الحاكم ، فجاء مالكه فأخذه ، وأخذ جميع ما في يده ، وهو مع ذلك يخشى أن يعاقبه ، وينكل به لتفريطه ؛ في أمواله ، وتقصيره في طلب مالكه ؛ ليعرف أن له مالكا ، ثم نظر العبد فرأى نفسه محبوسا في منزل ، قد أحدقت به الحيات والعقارب والهوام ، وهو في كل حال على وجل من كل واحدة منها ، وقد بقي لا يملك نفسه ولا ماله ، ولا يعرف طريقا في الخلاص البتة . أفترى من هذا حاله هل يفخر بقدرته وثروته وقوته وكماله أم يذل نفسه ويخضع ؟! وهذا حال كل عاقل بصير ؛ فإنه يرى نفسه كذلك فلا ؛ يملك رقبته وبدنه وأعضاءه وماله ، وهو مع ذلك بين آفات وشهوات وأمراض وأسقام هي ، كالعقارب والحيات ، يخاف منها الهلاك .

فمن هذا حاله لا يتكبر بقوته وقدرته ؛ إذ يعلم أنه لا قدرة له ولا قوة .

فهذا طريق علاج التكبر بالأسباب الخارجة ، وهو أهون من علاج التكبر بالعلم والعمل ؛ فإنهما كمالان في النفس ، جديران بأن يفرح بهما ولكن ، التكبر بهما أيضا نوع من الجهل خفي ، كما سنذكره .

التالي السابق


(السبب الثالث: التكبر بالقوة والأيدي، ويمنعه من ذلك ما سلط عليه من العلل) العارضة (والأمراض) الفاجئة (فإنه لو توجع عرق واحد في يده) لسلب القرار، و (لصار أعجز من كل عاجز، وأذل من كل ذليل) فكم لله من نعمة على عرق ساكن (وإنه لو سلبه الذباب) الذي هو أحقر المخلوقات (شيئا لم يستنقذه منه، وإن بقة لو دخلت أنفه) لأفسدت دماغه، وبها كان هلاك النمروذ (أو نملة دخلت أذنه لقتلته، وإن شوكة لو دخلت رجله لأعجزته) عن المشي (وإن حمى يوم تحلل من قوته ما لا ينجبر في مدة) من الزمان .

(فمن لا يطيق شوكة، ولا يقاوم بقة، ولا يقدر أن يمنع عن نفسه ذبابة فلا ينبغي أن يفتخر بقوته) ثم بتأمل أن أصله من التراب وهو أذل ما يكون فما يكون للمخلوق منه من القوة حتى يفتخر بها؟! (ثم إن قوي الإنسان لا يكون أقوى من حمار أو بقرة أو فيل أو جمل، وأي افتخار في صفة تسبقك البهائم فيها؟!

السبب الرابع والخامس: الغنى وكثرة المال، وفي معناه كثرة الأتباع والأنصار) والخدم (والتكبر بولاية السلاطين) للمناصب (والتمكن من جهتهم، وكل ذلك تكبر بمعنى خارج عن ذات الإنسان، لا كالجمال والقوة والعمل، وهذا أقبح أنواع التكبر؛ فإن المتكبر بماله كأنه متكبر بفرسه وداره، ولو مات فرسه وانهدمت داره لعاد ذليلا، والمتكبر بتمكين السلطان وولايته) لمنصب (لا بصفة في نفسه بنى أمره على قلب هو أشد غليانا من القدر، فإن تغير عليه) عزله عن ولايته، وأسقطه من عينه، و (كان أذل الخلق، وكل متكبر بأمر خارج عن ذاته فهو ظاهر الجهل) فاسد العقل (كيف والمتكبر بالغنى لو تأمل لرأى في اليهود) والنصارى (من يزيد عليه في الغنى والثروة والتجمل) بالأثاث والأمتعة (وأف لشرف يأخذه السارق في لحظة واحدة، فيعود صاحبه ذليلا مفلسا .

فهذه أسباب ليست في ذاته، وما هو في ذاته ليس إليه دوام وجوده، وهو في الآخرة وبال ونكال، فالتفاخر غاية الجهل، وكل ما ليس إليك فليس لك، وشيء من هذه الأمور ليس إليك، بل هي إلى واهبه إن أبقاه بقي لك، وإن استرجعه زال عنك، وما أنت إلا عبد مملوك لا تقدر على شيء، فمن عرف ذلك) وتأمل فيه حق التأمل (لا بد وأن يزول كبره .

ومثاله: أن يفتخر الغافل بقوته وجماله وماله وحريته) وأعوانه (واستقلاله) في أموره (وسعة منازله، وكثرة خيوله وغلمانه إذ شهد عليه شاهدان عدلان عند حاكم منصف) عادل (بأنه رقيق لفلان، وأن أبويه كانا مملوكين له، فعلم ذلك) وثبت لديه (وحكم به الحاكم، فجاء [ ص: 397 ] مالكه فأخذه، وأخذ جميع ما في يديه، وهو يخشى مع ذلك أن يعاقبه، وينكل به؛ لإفراطه في أمواله، وتقصيره في طلب مالكه؛ ليعرف أن له مالكا، ثم نظر العبد فرأى نفسه محبوسا في منزل، قد أحدقت به الحيات والعقارب والهوام، وهو في كل حال على وجل من كل واحدة منها، وقد بقي لا يملك نفسه ولا ماله، ولا يعرف طريقا في الخلاص البتة. أفترى أن من هذا حاله هل يفتخر بقدرته وثروته وقوته وجماله أم يذل في نفسه ويخضع؟! وهذا حال كل عاقل بصير؛ فإنه يرى نفسه كذلك؛ فإنه لا يملك رقبته وماله وبدنه وأعضاءه، وهو مع ذلك بين آفات وشهوات وأمراض وأسقام، وهي كالعقارب والحيات، يخاف منها الهلاك، فمن هذا حاله لا يتكبر بقدرته وقوته؛ إذ يعلم أنه لا قدرة له ولا قوة .

فهذا طريق علاج التكبر بالأسباب الخارجة، وهو أهون من علاج التكبر بالعلم والعمل؛ فإنهما كمالان في النفس، جديران بأن يفرح بهما، لكن في التكبر بهما أيضا نوع من الجهل خفي، كما سنذكره) .




الخدمات العلمية