مثال آخر للدنيا في تعذر الخلاص من تبعتها بعد الخوض فيها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنما مثل صاحب الدنيا كالماشي في الماء ; هل يستطيع الذي يمشي في الماء أن لا تبتل قدماه   . 
وهذا يعرفك جهالة قوم ظنوا أنهم يخوضون في نعيم الدنيا بأبدانهم ، وقلوبهم منها مطهرة ، وعلائقها عن بواطنهم منقطعة ، وذلك مكيدة من الشيطان بل لو أخرجوا مما هم فيه لكانوا من أعظم المتفجعين بفراقها فكما أن المشي على الماء يقتضي بللا لا محالة يلتصق بالقدم ، فكذلك ملابسة الدنيا تقتضي علاقة وظلمة في القلب ، بل علاقة الدنيا مع القلب تمنع حلاوة العبادة . 
قال : عيسى  عليه السلام : بحق أقول لكم : كما ينظر المريض إلى الطعام ، فلا يلتذ به من شدة الوجع ، كذلك صاحب الدنيا لا يلتذ بالعبادة ، ولا يجد حلاوتها مع ما يجد من حب الدنيا وبحق . أقول لكم : إن الدابة إذا لم تركب وتمتهن تصعب ويتغير خلقها ; كذلك القلوب إذا لم ترقق بذكر الموت ونصب العبادة تقسو وتغلظ وبحق أقول لكم : إن ألزق ما لم ينخرق أو يقحل يوشك أن يكون وعاء للعسل كذلك القلوب ما لم تخرقها الشهوات ، أو يدنسها الطمع ، أو يقسيها النعيم ، فسوف تكون أوعية للحكمة وقال النبي صلى الله عليه وسلم إنما بقي : من الدنيا بلاء وفتنة وإنما مثل عمل أحدكم كمثل الوعاء إذا طاب أعلاه طاب أسفله ، وإذا خبث أعلاه خبث أسفله  . 
مثال آخر لما بقي من الدنيا وقلته ، بالإضافة لما سبق ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : مثل هذه الدنيا مثل ثوب شق من أوله إلى آخره فبقي متعلقا بخيط في آخره ، فيوشك ذلك الخيط أن ينقطع . 
     	
		
				
						
						
