الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
الثالث: أن يعرف ما في القناعة من عز الاستغناء وما في الطمع والحرص من الذل فإذا تحقق عنده ذلك انبعثت رغبته إلى القناعة لأنه في الحرص لا يخلو من تعب، وفي الطمع لا يخلو من ذل وليس في القناعة إلا ألم الصبر عن الشهوات والفضول وهذا ألم لا يطلع عليه أحد إلا الله، وفيه ثواب الآخرة، وذلك مما يضاف إليه نظر الناس، وفيه الوبال والمأثم، ثم يقويه عز النفس، والقدرة على متابعة الحق، فإن من كثر طمعه، وحرصه كثرت حاجته إلى الناس، فلا يمكنه دعوتهم إلى الحق، ويلزمه المداهنة وذلك يهلك دينه، ومن لا يؤثر عز النفس على شهوة البطن، فهو ركيك العقل ناقص الإيمان وقال صلى الله عليه وسلم: عز المؤمن استغناؤه عن الناس ففي القناعة الحرية والعز ; ولذلك قيل : استغن عمن شئت تكن ، نظيره واحتج إلى من شئت تكن ، أسيره ، وأحسن إلى من شئت تكن ، أميره .

التالي السابق


(الثالث: أن يعرف ما في القناعة من عز الاستغناء) عن الناس (وما في الطمع والحرص من الذل) لهم (فإذا تحقق عنده ذلك انبعثت رغبته إلى القناعة) واختارها (لأنه في الحرص لا يخلو من تعب، وفي الطمع لا يخلو من ذل) ; لأن الحريص دائما تعبان، والطماع دائما ذليل (وليس في القناعة إلا ألم الصبر عن الشهوات) الفانية (والفضول) الزائلة (وهذا ألم لا يطلع عليه أحد) من الناس (إلا الله، وفيه ثواب الآخرة، وذلك مما يضاف إليه نظر الناس، وفيه الوبال والمأثم، ثم يقويه عز النفس، والقدرة على متابعة الحق، فإن من كثر طمعه، وحرصه كثرت حاجته إلى الناس، فلا يمكنه دعوتهم إلى الحق، ويلزمه المداهنة) في القول، والفعل (وذلك يهلك دينه، ومن لا يؤثر عز النفس على شهوة البطن، فهو ركيك العقل) ، أي: ضعيفه (ناقص الإيمان) منحوس الحظ .

(وقال صلى الله عليه وسلم: عز المؤمن استغناؤه عن الناس) .

قال العراقي: رواه الطبراني في الأوسط، والحاكم، وصحح إسناده، وأبو الشيخ في كتاب الثواب، وأبو نعيم في الحلية من حديث سهل بن سعد أن جبريل قال للنبي صلى الله عليه وسلم في أثناء حديث، وفيه زافر بن سليمان، عن محمد بن عيينة ، وكلاهما مختلف فيه، وجعله القضاعي في مسند الشهاب من قول النبي صلى الله عليه وسلم. انتهى .

قلت: رواه الطبراني في الأوسط، وأبو نعيم في الحلية من طريق محمد بن حميد ، والقضاعي من طريق عبد الصمد بن موسى القطان، وابن حميد أيضا، والشيرازي في الألقاب من طريق إسماعيل بن تومة، ثلاثتهم عن زافر بن سليمان، عن محمد بن عيينة ، عن أبي حازم، عن سهل بن سعد، قال: جاء جبريل النبي صلى الله عليه وسلم، ولفظ الحلية: أتاني جبريل، فقال: يا محمد، عش ما شئت; فإنك ميت، واعمل ما شئت; فإنك مجزي به، وأحبب من شئت; فإنك مفارقه، واعلم أن شرف المؤمن قيام الليل، وعزه استغناؤه عن الناس.

وزافر بن سليمان من رجال الترمذي، وابن ماجه، وثقه جماعة، وقال ابن عدي: لا يتابع على حديثه، وشيخه محمد بن عيينة أخو سفيان، قال أبو حاتم: لا يحتج به، له مناكير، وقد صحح الحاكم إسناده، لا سيما وفي الباب، عن أبي هريرة، وابن عباس.

أما حديث أبي هريرة فرواه العقيلي ، والخطيب، وابن عساكر بسند ضعيف بلفظ: شرف المؤمن صلاته بالليل، وعزه استغناؤه عما في أيدي الناس، وأورده ابن الجوزي في الموضوعات، فأخطأ .

وأما حديث ابن عباس فرواه محمد بن نصر المروي في قيام الليل له من طريق هشيم بن جويبر، عن الضحاك عنه موقوفا، ولفظه: شرف المؤمن قيامه بالليل، وعزه استغناؤه عما في أيدي الناس، وجعله القضاعي في مسند الشهاب في حديث سهل من قول النبي صلى الله عليه وسلم .

(ففي القناعة الحرية) ، وهي الخلوص من الرق (والعز; ولذلك قيل: استغن عمن شئت، فأنت نظيره) ، أي: مثله (واحتج إلى من شئت، فأنت أسيره، وأحسن إلى من شئت، فأنت أميره) ، وهو من قول بعض الحكماء، ومنهم من نسبه إلى علي - رضي الله عنه .

وقد روى البزار، والطبراني في الكبير، والعسكري في الأمثال، والقضاعي في المسند من طريق الأعمش، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رفعه: استغنوا عن الناس، ولو بشوص السواك. ورجاله ثقات .

والأحاديث في القناعة والتعفف عن الناس مفردة بالتأليف، ومن أقربها لهذا المعنى حديث: لأن يأخذ أحدكم حبلا فيأتي بحزمة حطب على ظهره فيبيعها فيكف بها نفسه خير له من أن يسأل الناس أعطوه، أو منعوه.




الخدمات العلمية