وقال ابن مسعود كونوا ينابيع العلم مصابيح الهدى أحلاس البيوت سرج الليل جرد القلوب خلقان الثياب تعرفون في أهل السماء وتخفون في أهل الأرض وقال أبو أمامة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الله تعالى: إن أغبط أوليائي عبد مؤمن خفيف الحاذ ذو حظ من صلاة أحسن عبادة ربه وأطاعه في السر وكان غامضا في الناس لا يشار إليه بالأصابع ثم صبر على ذلك قال: ثم نقر رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده فقال: عجلت منيته وقل تراثه وقلت بواكيه .
وقال عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما : أحب عباد الله إلى الله الغرباء ، قيل : ومن الغرباء ? قال : الفارون بدينهم ، يجتمعون يوم القيامة إلى المسيح عليه السلام .
وقال الفضيل بن عياض بلغني أن الله تعالى يقول في بعض ما يمن به على عبده : « ألم أنعم عليك ؟! ألم أسترك ؟! ألم أخمل ذكرك » وكان الخليل بن أحمد يقول اللهم اجعلني عندك من أرفع خلقك ، واجعلني عند نفسي من أوضع خلقك ، واجعلني عند الناس من أوسط خلقك .
وقال الثوري وجدت قلبي يصلح بمكة والمدينة مع قوم غرباء أصحاب قوت وعناء .
وقال إبراهيم بن أدهم ما قرت عيني يوما في الدنيا قط إلا مرة ؛ بت ليلة في بعض مساجد قرى الشام وكان بي البطن فجرني المؤذن برجلي حتى أخرجني من المسجد .
وقال الفضيل إن قدرت على أن لا تعرف فافعل .
وما عليك أن لا تعرف ، وما عليك أن لا يثنى عليك ، وما عليك أن تكون مذموما عند الناس إذا كنت محمودا عند الله تعالى فهذه الآثار والأخبار تعرفك مذمة الشهرة ، وفضيلة الخمول .
وإنما المطلوب بالشهرة وانتشار الصيت هو الجاه ، والمنزلة في القلوب ، وحب الجاه هو منشأ كل فساد .
فإن قلت : فأي شهرة تزيد على شهرة الأنبياء والخلفاء الراشدين وأئمة العلماء فكيف فاتهم فضيلة الخمول ? فاعلم أن المذموم طلب الشهرة ، فأما وجودها من جهة الله سبحانه من غير تكلف من العبد فليس بمذموم .
نعم فيه فتنة على الضعفاء دون الأقوياء وهم ، كالغريق الضعيف إذا كان معه جماعة من الغرقى ، فالأولى به أن لا يعرفه أحد منهم ، فإنهم يتعلقون به ، فيضعف عنهم ، فيهلك معهم ، وأما القوي فالأولى أن يعرفه الغرقى ؛ ليتعلقوا به فينجيهم ويثاب على ذلك .


