الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
ومن أحب الجاه والمنزلة فهو كمن أحب المال ، بل هو شر منه ؛ فإن فتنة الجاه أعظم ولا يمكنه أن لا يحب المنزلة في قلوب الناس ما دام يطمع في الناس فإذا أحرز قوته من كسبه ، أو من جهة أخرى ، وقطع طمعه عن الناس رأسا ، أصبح الناس كلهم عنده كالأرذال فلا يبالي أكان له منزلة في قلوبهم أم لم يكن ، كما لا يبالي بما في قلوب الذين هم منه في أقصى المشرق لأنه لا يراهم ، ولا يطمع فيهم ، ولا يقطع الطمع عن الناس إلا بالقناعة ، فمن قنع استغنى عن الناس وإذا استغنى ، لم يشتغل قلبه بالناس ، ولم يكن لقيام منزلته في القلوب عنده وزن ولا يتم ترك الجاه إلا بالقناعة وقطع الطمع .

ويستعين على جميع ذلك بالأخبار الواردة في ذم الجاه ومدح ، الخمول والذل ، مثل قولهم : المؤمن لا يخلو من ذلة أو قلة أو علة .

وينظر في أحوال السلف وإيثارهم للذل على العز ، ورغبتهم في ثواب الآخرة رضي الله عنهم أجمعين .

التالي السابق


(ومن أحب الجاه والمنزلة فهو كمن أحب المال، بل هو شر منه؛ فإن فتنة الجاه أعظم) من فتنة المال (ولا يمكنه أن لا يحب المنزلة في قلوب الناس ما دام يطمع في الناس) وهذا هو الجاه .

(فإذا أحرز قوته من كسبه بيده، أو من جهة أخرى، وقطع طمعه من الناس رأسا، أصبح الناس كلهم عنده كالأرذال) أي: الأسقاط (فلا يبالي كانت له منزلة في قلوبهم أم لم تكن، كما لا يبالي بما في قلوب الذين هم منه) متباعدون (في أقصى الشرق) أو الغرب (لأنه لا يراهم، ولا يطمع فيهم، ولا يقطع الطمع عن الناس إلا بالقناعة، فمن قنع) عز، و (استغنى عن الناس، وإذا استغنى) عنهم (لم يشغل قلبه بالناس، ولم يكن لقيام منزلته في القلوب عنده وزن) أي: مقدار (ولا يقطع ذلك الجاه إلا بالقناعة) باليسير من الرزق (وقطع الطمع) عما في أيديهم (ويستعين على جميع ذلك بالأخبار الواردة في ذم الجاه، و) في (مدح الخمول والذل، مثل قولهم: [ ص: 255 ] المؤمن لا يخلو من ذلة أو قلة) أي: من المال (أو علة) وهو قول مشهور على ألسنة الناس، ويستأنس له بما رواه ابن لال في مكارم الأخلاق من حديث أبان، عن أنس، مرفوعا: "المؤمن بين خمس شدائد: مؤمن يحسده، ومنافق يبغضه، وكافر يقاتله، ونفس تنازعه، وشيطان يضله".

ومما يستعين عليه من الأخبار ما رواه الديلمي عن أبان، عن أنس، رفعه: "المؤمن بيته قصب، وطعامه كسر، وثيابه خلق، ورأسه شعث، وقلبه خاشع، ولا يعدل بالسلامة شيئا".

(وينظر) مع ذلك (في أحوال السلف) في الكتب المتضمنة لها كالحلية لأبي نعيم (وإيثارهم الذل على العز، ورغبتهم في ثواب الآخرة) وتركهم حظوظ الدنيا العاجلة، ثم ينظر أنها بأجمعها ستفنى، ولا يبقى معه إلى ما بعد الموت، فما تأمل الناظر في ذلك إلا وقنع بالدون، ورضي باليسير، وقطع أثر حب الجاه من قلبه. والله الموفق .




الخدمات العلمية