الركن الثاني : المراءى به ، وهو الطاعات ، وذلك ينقسم إلى
nindex.php?page=treesubj&link=18693الرياء بأصول العبادات ، وإلى الرياء بأوصافها :
القسم الأول : وهو الأغلظ ، الرياء بالأصول ، وهو على ثلاث درجات :
الأولى : الرياء بأصل الإيمان وهذا ، أغلظ أبواب الرياء ، وصاحبه مخلد في النار ، وهو الذي يظهر كلمتي الشهادة وباطنه مشحون بالتكذيب ، ولكنه يرائي بظاهر الإسلام وهو الذي ذكره الله تعالى في كتابه في مواضع شتى ، كقوله عز وجل :
nindex.php?page=tafseer&surano=63&ayano=1إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون أي : في دلالتهم بقولهم على ضمائرهم وقال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=204ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=205وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها الآية وقال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=119وإذا لقوكم قالوا آمنا وإذا خلوا عضوا عليكم الأنامل من الغيظ وقال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=142يراءون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=143مذبذبين بين ذلك والآيات فيهم كثيرة .
وكان النفاق يكثر في ابتداء الإسلام ممن يدخل في ظاهر الإسلام ابتداء لغرض وذلك مما يقل في زماننا ولكن يكثر نفاق من ينسل عن الدين باطنا فيجحد الجنة والنار والدار الآخرة ميلا إلى قول الملحدة أو يعتقد طي بساط الشرع والأحكام ميلا إلى أهل الإباحة أو يعتقد كفرا أو بدعة وهو يظهر خلافه ، فهؤلاء من المنافقين المرائين المخلدين في النار ، وليس وراء هذا الرياء رياء وحال هؤلاء أشد حالا من الكفار المجاهرين لأنهم جمعوا بين كفر الباطن ونفاق الظاهر .
الثانية : الرياء بأصول العبادات مع التصديق بأصل الدين ، وهذا أيضا عظيم عند الله ، ولكنه دون الأول بكثير .
ومثاله أن يكون مال الرجل في يد غيره فيأمره بإخراج الزكاة ؛ خوفا من ذمه والله يعلم منه أنه لو كان في يده لما أخرجها أو يدخل وقت الصلاة وهو في جمع ، وعادته ترك الصلاة في الخلوة وكذلك يصوم رمضان وهو يشتهي خلوة من الخلق ليفطر ، وكذلك يحضر الجمعة ولولا خوف المذمة لكان لا يحضرها ، أو يصل رحمه ، أو يبر والديه لا عن رغبة ولكن خوفا من الناس ، أو يغزو ، أو يحج كذلك .
فهذا مراء ، معه أصل الإيمان بالله ، يعتقد أنه لا معبود سواه ، ولو كلف أن يعبد غير الله أو يسجد لغيره لم يفعل ، ولكنه يترك العبادات للكسل ، وينشط عند اطلاع الناس فتكون منزلته عند الخلق أحب إليه من منزلته عند الخالق ،
nindex.php?page=treesubj&link=19993وخوفه من مذمة الناس أعظم من خوفه من عقاب الله ، ورغبته في محمدتهم أشد من رغبته في ثواب الله ، وهذا غاية الجهل ، وما أجدر صاحبه بالمقت ! وإن كان غير منسل عن أصل الإيمان من حيث الاعتقاد .
الثالثة : أن لا يرائي بالإيمان ولا بالفرائض ولكنه ،
nindex.php?page=treesubj&link=18693يرائي بالنوافل والسنن التي لو تركها لا يعصي ولكنه يكسل عنها في الخلوة لفتور رغبته في ثوابها ولإيثار لذة الكسل على ما يرجى من الثواب ، ثم يبعثه الرياء على فعلها ، وذلك كحضور الجماعة في الصلاة ، وعيادة المريض ، واتباع الجنازة ، وغسل الميت ، وكالتهجد بالليل ، وصيام يوم عرفة وعاشوراء ويوم ، الاثنين والخميس .
فقد يفعل المرائي جملة ذلك ؛ خوفا من المذمة أو طلبا ، للمحمدة ويعلم الله تعالى منه أنه لو خلا بنفسه لما زاد على أداء الفرائض .
فهذا أيضا عظيم ولكنه دون ما قبله فإن الذي قبله آثر حمد الخلق على حمد الخالق .
وهذا ، أيضا قد فعل ذلك ، واتقى ذم الخلق دون ذم الخالق ، فكان ذم الخلق أعظم عنده من عقاب الله ، وأما هذا فلم يفعل ذلك ؛ لأنه لم يخف عقابا على ترك النافلة لو تركها ، وكأنه على الشطر من الأول ، وعقابه نصف عقابه .
فهذا هو الرياء بأصول العبادات .
الرُّكْنُ الثَّانِي : الْمُرَاءَى بِهِ ، وَهُوَ الطَّاعَاتُ ، وَذَلِكَ يَنْقَسِمُ إِلَى
nindex.php?page=treesubj&link=18693الرِّيَاءِ بِأُصُولِ الْعِبَادَاتِ ، وَإِلَى الرِّيَاءِ بِأَوْصَافِهَا :
الْقِسْمُ الْأَوَّلُ : وَهُوَ الْأَغْلَظُ ، الرِّيَاءُ بِالْأُصُولِ ، وَهُوَ عَلَى ثَلَاثِ دَرَجَاتٍ :
الْأَوْلَى : الرِّيَاءُ بِأَصْلِ الْإِيمَانِ وَهَذَا ، أَغْلَظُ أَبْوَابِ الرِّيَاءِ ، وَصَاحِبُهُ مُخَلَّدٌ فِي النَّارِ ، وَهُوَ الَّذِي يُظْهِرُ كَلِمَتَيِ الشَّهَادَةِ وَبَاطِنُهُ مَشْحُونٌ بِالتَّكْذِيبِ ، وَلَكِنَّهُ يُرَائِي بِظَاهِرِ الْإِسْلَامِ وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ فِي مَوَاضِعَ شَتَّى ، كَقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ :
nindex.php?page=tafseer&surano=63&ayano=1إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ أَيْ : فِي دَلَالَتِهِمْ بِقَوْلِهِمْ عَلَى ضَمَائِرِهِمْ وَقَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=204وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=205وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا الْآيَةَ وَقَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=119وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ وَقَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=142يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلا قَلِيلا nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=143مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ وَالْآيَاتُ فِيهِمْ كَثِيرَةٌ .
وَكَانَ النِّفَاقُ يَكْثُرُ فِي ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ مِمَّنْ يَدْخُلُ فِي ظَاهِرِ الْإِسْلَامِ ابْتِدَاءً لِغَرَضٍ وَذَلِكَ مِمَّا يَقِلُّ فِي زَمَانِنَا وَلَكِنْ يَكْثُرُ نِفَاقُ مَنْ يَنْسَلُّ عَنِ الدِّينِ بَاطِنًا فَيَجْحَدُ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ مَيْلًا إِلَى قَوْلِ الْمُلْحِدَةِ أَوْ يَعْتَقِدُ طَيَّ بِسَاطِ الشَّرْعِ وَالْأَحْكَامِ مَيْلًا إِلَى أَهْلِ الْإِبَاحَةِ أَوْ يَعْتَقِدُ كُفْرًا أَوْ بِدْعَةً وَهُوَ يُظْهِرُ خِلَافَهُ ، فَهَؤُلَاءِ مِنَ الْمُنَافِقِينَ الْمُرَائِينَ الْمُخَلَّدِينَ فِي النَّارِ ، وَلَيْسَ وَرَاءَ هَذَا الرِّيَاءِ رِيَاءٌ وَحَالُ هَؤُلَاءِ أَشَدُّ حَالًا مِنَ الْكُفَّارِ الْمُجَاهِرِينَ لِأَنَّهُمْ جَمَعُوا بَيْنَ كُفْرِ الْبَاطِنِ وَنِفَاقِ الظَّاهِرِ .
الثَّانِيَةُ : الرِّيَاءُ بِأُصُولِ الْعِبَادَاتِ مَعَ التَّصْدِيقِ بِأَصْلِ الدِّينِ ، وَهَذَا أَيْضًا عَظِيمٌ عِنْدَ اللَّهِ ، وَلَكِنَّهُ دُونَ الْأَوَّلِ بِكَثِيرٍ .
وَمِثَالُهُ أَنْ يَكُونَ مَالُ الرَّجُلِ فِي يَدِ غَيْرِهِ فَيَأَمْرُهُ بِإِخْرَاجِ الزَّكَاةِ ؛ خَوْفًا مِنْ ذَمِّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ فِي يَدِهِ لَمَا أَخْرَجَهَا أَوْ يَدْخُلُ وَقْتُ الصَّلَاةِ وَهُوَ فِي جَمْعٍ ، وَعَادَتُهُ تَرْكُ الصَّلَاةِ فِي الْخَلْوَةِ وَكَذَلِكَ يَصُومُ رَمَضَانَ وَهُوَ يَشْتَهِي خَلْوَةً مِنَ الْخَلْقِ لِيُفْطِرَ ، وَكَذَلِكَ يَحْضُرُ الْجُمُعَةَ وَلَوْلَا خَوْفُ الْمَذَمَّةِ لَكَانَ لَا يَحْضُرُهَا ، أَوْ يَصِلُ رَحِمَهُ ، أَوْ يَبَرُّ وَالِدَيْهِ لَا عَنْ رَغْبَةٍ وَلَكِنْ خَوْفًا مِنَ النَّاسِ ، أَوْ يَغْزُو ، أَوْ يَحُجُّ كَذَلِكَ .
فَهَذَا مُرَاءٍ ، مَعَهُ أَصْلُ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ ، يَعْتَقِدُ أَنَّهُ لَا مَعْبُودَ سِوَاهُ ، وَلَوْ كُلِّفَ أَنْ يَعْبُدَ غَيْرَ اللَّهِ أَوْ يَسْجُدَ لِغَيْرِهِ لَمْ يَفْعَلْ ، وَلَكِنَّهُ يَتْرُكُ الْعِبَادَاتِ لِلْكَسَلِ ، وَيَنْشَطُ عِنْدَ اطِّلَاعِ النَّاسِ فَتَكُونُ مَنْزِلَتُهُ عِنْدَ الْخَلْقِ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ مَنْزِلَتِهِ عِنْدَ الْخَالِقِ ،
nindex.php?page=treesubj&link=19993وَخَوْفُهُ مِنْ مَذَمَّةِ النَّاسِ أَعْظَمَ مِنْ خَوْفِهِ مِنْ عِقَابِ اللَّهِ ، وَرَغْبَتُهُ فِي مَحْمَدَتِهِمْ أَشَدَّ مِنْ رَغْبَتِهِ فِي ثَوَابِ اللَّهِ ، وَهَذَا غَايَةُ الْجَهْلِ ، وَمَا أَجْدَرَ صَاحِبَهُ بِالْمَقْتِ ! وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُنْسَلٍّ عَنْ أَصْلِ الْإِيمَانِ مِنْ حَيْثُ الِاعْتِقَادُ .
الثَّالِثَةُ : أَنْ لَا يُرَائِيَ بِالْإِيمَانِ وَلَا بِالْفَرَائِضِ وَلَكِنَّهُ ،
nindex.php?page=treesubj&link=18693يُرَائِي بِالنَّوَافِلِ وَالسُّنَنِ الَّتِي لَوْ تَرَكَهَا لَا يَعْصِي وَلَكِنَّهُ يَكْسَلُ عَنْهَا فِي الْخَلْوَةِ لِفُتُورِ رَغْبَتِهِ فِي ثَوَابِهَا وَلِإِيثَارِ لَذَّةِ الْكَسَلِ عَلَى مَا يُرْجَى مِنَ الثَّوَابِ ، ثُمَّ يَبْعَثُهُ الرِّيَاءُ عَلَى فِعْلِهَا ، وَذَلِكَ كَحُضُورِ الْجَمَاعَةِ فِي الصَّلَاةِ ، وَعِيَادَةِ الْمَرِيضِ ، وَاتِّبَاعِ الْجِنَازَةِ ، وَغُسْلِ الْمَيِّتِ ، وَكَالتَّهَجُّدِ بِاللَّيْلِ ، وَصِيَامِ يَوْمِ عَرَفَةَ وَعَاشُورَاءَ وَيَوْمِ ، الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ .
فَقَدْ يَفْعَلُ الْمُرَائِي جُمْلَةَ ذَلِكَ ؛ خَوْفًا مِنَ الْمَذَمَّةِ أَوْ طَلَبًا ، لِلْمَحْمَدَةِ وَيَعْلَمُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ خَلَا بِنَفْسِهِ لَمَا زَادَ عَلَى أَدَاءِ الْفَرَائِضِ .
فَهَذَا أَيْضًا عَظِيمٌ وَلَكِنَّهُ دُونَ مَا قَبْلَهُ فَإِنَّ الَّذِي قَبْلَهُ آثَرَ حَمْدَ الْخَلْقِ عَلَى حَمْدِ الْخَالِقِ .
وَهَذَا ، أَيْضًا قَدْ فَعَلَ ذَلِكَ ، وَاتَّقَى ذَمَّ الْخَلْقِ دُونَ ذَمِّ الْخَالِقِ ، فَكَانَ ذَمُّ الْخَلْقِ أَعْظَمَ عِنْدَهُ مِنْ عِقَابِ اللَّهِ ، وَأَمَّا هَذَا فَلَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَخَفْ عِقَابًا عَلَى تَرْكِ النَّافِلَةِ لَوْ تَرَكَهَا ، وَكَأَنَّهُ عَلَى الشَّطْرٍ مِنَ الْأَوَّلِ ، وَعِقَابُهُ نِصْفُ عِقَابِهِ .
فَهَذَا هُوَ الرِّيَاءُ بِأُصُولِ الْعِبَادَاتِ .