وكذلك نوافل الصلوات إذا تجرد فيها باعث الرياء وجب تركها ،  أما إذا خطر له وساوس الرياء في أثناء الصلاة وهو لها كاره ، فلا يترك الصلاة ؛ لأن آفة الرياء في العبادات ضعيفة وإنما تعظم في الولايات ، وفي التصدي للمناصب الكبيرة في العلم . 
وبالجملة فالمراتب ثلاث: . 
الأولى : الولايات ، والآفات فيها عظيمة ، وقد تركها جماعة من السلف خوفا من الآفة . 
الثانية: الصوم الصلاة والحج والغزو ، وقد تعرض لها أقوياء السلف وضعفاؤهم ، ولم يؤثر عنهم الترك لخوف الآفة . 
وذلك لضعف الآفات الداخلة فيها ، والقدرة على نفيها مع إتمام العمل لله بأدنى قوة . 
الثالثة : وهي متوسطة بين الرتبتين ، وهو التصدي لمنصب الوعظ والفتوى والرواية والتدريس ، والآفات فيها أقل مما في الولايات ، وأكثر مما في الصلاة ، فالصلاة ينبغي أن لا يتركها الضعيف والقوي ، ولكن يدفع خاطر الرياء ، والولايات ينبغي أن يتركها الضعفاء رأسا دون الأقوياء ومناصب العلم بينهما ، ومن جرب آفات منصب العلم علم أنه بالولاة أشبه ، وأن الحذر منه في حق الضعيف أسلم ، والله أعلم . 
وهنا . رتبة رابعة : وهي جمع المال وأخذه للتفرقة على المستحقين ، فإن في الإنفاق وإظهار السخاء استجلابا للثناء وفي إدخال السرور على قلوب الناس لذة للنفس والآفات فيها أيضا كثيرة . 
ولذلك سئل الحسن  عن رجل طلب القوت ثم أمسك وآخر طلب فوق قوته ثم تصدق به ، فقال : القاعد أفضل لما يعرفون من قلة السلامة في الدنيا ، وأن من الزهد تركها قربة إلى الله تعالى . 
وقال  أبو الدرداء  « ما يسرني أنني أقمت على درج مسجد دمشق  أصيب كل يوم خمسين دينارا ، أتصدق بها ، أما إني لا أحرم البيع والشراء ، ولكني أريد أن أكون من الذين لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله » . . 
وقد اختلف العلماء ، فقال قوم : إذا طلب الدنيا من الحلال وسلم منها وتصدق بها فهو أفضل من أن يشتغل بالعبادات والنوافل وقال قوم : الجلوس في دوام ذكر الله  أفضل ، والأخذ والإعطاء يشغل عن الله وقد قال المسيح  عليه السلام يا طالب الدنيا ليبر بها تركك لها أبر وقال . 
أقل ما فيه أن يشغله إصلاحه عن ذكر الله ، وذكر الله أكبر وأفضل . 
وهذا فيمن سلم من الآفات ، فأما من يتعرض لآفة الرياء فتركه لها أبر ، والاشتغال بالذكر لا خلاف في أنه أفضل . 
وبالجملة ما يتعلق بالخلق وللنفس فيه لذة فهو مثار الآفات ، والأحب أن يعمل ويدفع الآفات ، فإن عجز فلينظر وليجتهد ، وليستفت قلبه ، وليزن ما فيه من الخير بما فيه من الشر ، وليفعل ما يدل عليه نور العلم دون ما يميل إليه الطبع . 
وبالجملة ما يجده أخف على قلبه فهو في الأكثر أضر عليه ؛ لأن النفس لا تشير إلا بالشر ، وقلما تستلذ الخير وتميل إليه ، وإن كان لا يبعد ذلك أيضا في بعض الأحوال ، وهذه أمور لا يمكن الحكم على تفاصيلها بنفي وإثبات ، فهو موكول إلى اجتهاد القلب ؛ لينظر فيه لدينه ويدع ما يريبه إلى ما لا يريبه ثم قد يقع مما ذكرناه غرور للجاهل ، فيمسك المال ، ولا ينفقه ؛ خيفة من الآفة ، وهو عين البخل . 
ولا خلاف في أن تفرقة المال في المباحات فضلا عن الصدقات أفضل من إمساكه ، وإنما الخلاف فيمن يحتاج إلى الكسب أن الأفضل الكسب والإنفاق أو التجرد للذكر ،  وذلك لما في الكسب من الآفات فأما المال الحاصل من الحلال فتفرقته أفضل من إمساكه بكل حال . 
     	
		
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					