بيان حقيقة العجب والإدلال وحدهما .
اعلم أن العجب إنما يكون بوصف هو كمال لا محالة ، وللعالم بكمال نفسه في علم وعمل ومال وغيره حالتان :
إحداهما : أن يكون خائفا على زواله ومشفقا ، على تكدره أو سلبه من أصله ، فهذا ليس بمعجب .
. والأخرى : أن لا يكون خائفا من زواله ، لكن يكون فرحا به من حيث إنه نعمة من الله تعالى عليه لا من حيث إضافته إلى نفسه .
وهذا أيضا ليس بمعجب .
وله حالة ثالثة هي العجب ، وهي أن يكون غير خائف عليه ، بل يكون فرحا به مطمئنا إليه ، ويكون فرحه به من حيث إنه كمال ونعمة وخير ورفعة ، لا من حيث إنه عطية من الله تعالى ونعمة منه ، فيكون فرحه من حيث إنه صفته ومنسوب إليه بأنه له لا من حيث إنه منسوب إلى الله تعالى بأنه منه . فمهما غلب على قلبه أنه نعمة من الله مهما شاء سلبها عنه زال العجب بذلك عن نفسه .
فإذن . :
nindex.php?page=treesubj&link=18865العجب هو استعظام النعمة والركون إليها مع نسيان إضافتها إلى المنعم ، فإن انضاف إلى ذلك أن غلب على نفسه أن له عند الله حقا ، وأنه منه بمكان حتى يتوقع بعمله كرامة في الدنيا ، واستبعد أن يجري عليه مكروه استبعادا يزيد على استبعاده ما يجري على الفساق سمي هذا إدلالا بالعمل ، فكأنه يرى لنفسه على الله دالة وكذلك قد يعطي غيره شيئا فيستعظمه ويمن عليه فيكون معجبا فإن استخدمه أو اقترح عليه الاقتراحات أو استبعد ، تخلفه عن قضاء حقوقه كان مدلا عليه .
وقال ، قتادة في قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=74&ayano=6ولا تمنن تستكثر أي لا تدل بعملك وفي الخبر: إن صلاة المدل لا ترفع فوق رأسه ، ولأن تضحك وأنت معترف بذنبك خير من أن تبكي وأنت مدل بعملك .
والإدلال وراء العجب فلا ، مدل إلا وهو معجب ، ورب معجب لا يدل ؛ إذ العجب يحصل بالاستعظام ونسيان النعمة دون توقع جزاء عليه ، والإدلال لا يتم إلا مع توقع جزاء ، فإن توقع إجابة دعوته واستنكر ردها بباطنه وتعجب منه كان مدلا بعمله ؛ لأنه لا يتعجب من رد دعاء الفاسق ، ويتعجب من رد دعاء نفسه لذلك .
فهذا هو العجب والإدلال وهو من مقدمات الكبر وأسبابه والله تعالى أعلم .
.
بَيَانُ حَقِيقَةِ الْعُجْبِ وَالْإِدْلَالِ وَحَدِّهِمَا .
اعْلَمْ أَنَّ الْعُجْبَ إِنَّمَا يَكُونُ بِوَصْفٍ هُوَ كَمَالٌ لَا مَحَالَةَ ، وَلِلْعَالِمِ بِكَمَالِ نَفْسِهِ فِي عِلْمٍ وَعَمَلٍ وَمَالٍ وَغَيْرِهِ حَالَتَانِ :
إِحْدَاهُمَا : أَنْ يَكُونَ خَائِفًا عَلَى زَوَالِهِ وَمُشْفِقًا ، عَلَى تَكَدُّرِهِ أَوْ سَلْبِهِ مِنْ أَصْلِهِ ، فَهَذَا لَيْسَ بِمُعْجَبٍ .
. وَالْأُخْرَى : أَنْ لَا يَكُونَ خَائِفًا مِنْ زَوَالِهِ ، لَكِنْ يَكُونُ فَرِحًا بِهِ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ نِعْمَةٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ لَا مِنْ حَيْثُ إِضَافَتُهُ إِلَى نَفْسِهِ .
وَهَذَا أَيْضًا لَيْسَ بِمُعْجَبٍ .
وَلَهُ حَالَةٌ ثَالِثَةٌ هِيَ الْعُجْبُ ، وَهِيَ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ خَائِفٍ عَلَيْهِ ، بَلْ يَكُونُ فَرِحًا بِهِ مُطْمَئِنًّا إِلَيْهِ ، وَيَكُونُ فَرَحُهُ بِهِ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ كَمَالٌ وَنِعْمَةٌ وَخَيْرٌ وَرِفْعَةٌ ، لَا مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ عَطِيَّةٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى وَنِعْمَةٌ مِنْهُ ، فَيَكُونُ فَرَحُهُ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ صِفَتُهُ وَمَنْسُوبٌ إِلَيْهِ بِأَنَّهُ لَهُ لَا مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ مَنْسُوبٌ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى بِأَنَّهُ مِنْهُ . فَمَهْمَا غَلَبَ عَلَى قَلْبِهِ أَنَّهُ نِعْمَةٌ مِنَ اللَّهِ مَهْمَا شَاءَ سَلَبَهَا عَنْهُ زَالَ الْعُجْبُ بِذَلِكَ عَنْ نَفْسِهِ .
فَإِذَنْ . :
nindex.php?page=treesubj&link=18865الْعُجْبُ هُوَ اسْتِعْظَامُ النِّعْمَةِ وَالرُّكُونُ إِلَيْهَا مَعَ نِسْيَانِ إِضَافَتِهَا إِلَى الْمُنْعِمِ ، فَإِنِ انْضَافَ إِلَى ذَلِكَ أَنْ غَلَبَ عَلَى نَفْسِهِ أَنَّ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ حَقًّا ، وَأَنَّهُ مِنْهُ بِمَكَانٍ حَتَّى يَتَوَقَّعَ بِعَمَلِهِ كَرَامَةً فِي الدُّنْيَا ، وَاسْتَبْعَدَ أَنْ يَجْرِيَ عَلَيْهِ مَكْرُوهٌ اسْتِبْعَادًا يَزِيدُ عَلَى اسْتِبْعَادِهِ مَا يَجْرِي عَلَى الْفُسَّاقِ سُمِّي هَذَا إِدْلَالًا بِالْعَمَلِ ، فَكَأَنَّهُ يَرَى لِنَفْسِهِ عَلَى اللَّهِ دَالَّةً وَكَذَلِكَ قَدْ يُعْطِي غَيْرَهُ شَيْئًا فَيَسْتَعْظِمُهُ وَيَمُنُّ عَلَيْهِ فَيَكُونُ مُعْجَبًا فَإِنِ اسْتَخْدَمَهُ أَوِ اقْتُرِحَ عَلَيْهِ الِاقْتِرَاحَاتِ أَوِ اسْتَبْعَدَ ، تَخَلُّفَهُ عَنْ قَضَاءِ حُقُوقِهِ كَانَ مُدِلًّا عِلَيْهِ .
وَقَالَ ، قَتَادَةُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=74&ayano=6وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ أَيْ لَا تُدِلَّ بِعَمَلِكَ وَفِي الْخَبَرِ: إِنَّ صَلَاةَ الْمُدِلِّ لَا تُرْفَعُ فَوْقَ رَأْسِهِ ، وَلِأَنْ تَضْحَكَ وَأَنْتَ مُعْتَرِفٌ بِذَنْبِكَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَبْكِيَ وَأَنْتَ مُدِلٌّ بِعَمَلِكَ .
وَالْإِدْلَالُ وَرَاءَ الْعُجْبِ فَلَا ، مُدِلَّ إِلَّا وَهُوَ مُعْجَبٌ ، وَرُبَّ مُعْجَبٍ لَا يُدِلُّ ؛ إِذِ الْعُجْبُ يَحْصُلُ بِالِاسْتِعْظَامِ وَنِسْيَانِ النِّعْمَةِ دُونَ تَوَقُّعِ جَزَاءٍ عَلَيْهِ ، وَالْإِدْلَالُ لَا يَتِمُّ إِلَّا مَعَ تَوَقُّعِ جَزَاءٍ ، فَإِنْ تَوَقَّعَ إِجَابَةَ دَعْوَتِهِ وَاسْتَنْكَرَ رَدَّهَا بِبَاطِنِهِ وَتَعَجَّبَ مِنْهُ كَانَ مُدِلًّا بِعَمَلِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَعَجَّبُ مِنْ رَدِّ دُعَاءِ الْفَاسِقِ ، وَيَتَعَجَّبُ مِنْ رَدِّ دُعَاءِ نَفْسِهِ لِذَلِكَ .
فَهَذَا هُوَ الْعُجْبُ وَالْإِدْلَالُ وَهُوَ مِنْ مُقَدِّمَاتِ الْكِبْرِ وَأَسْبَابِهِ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ .
.