الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
أما الذين غرتهم الحياة الدنيا ، فهم الذين قالوا : النقد خير من النسيئة والدنيا نقد ، والآخرة نسيئة فهي إذن ، خير فلا بد من إيثارها وقالوا اليقين خير من الشك ، ولذات الدنيا يقين ولذات الآخرة شك فلا نترك اليقين بالشك .

وهذه أقيسة فاسدة تشبه قياس إبليس حيث قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين وإلى هؤلاء الإشارة بقوله تعالى : أولئك الذين اشتروا الحياة الدنيا بالآخرة فلا يخفف عنهم العذاب ولا هم ينصرون وعلاج هذا الغرور : إما بتصديق الإيمان ، وإما بالبرهان ; أما التصديق بمجرد الإيمان فهو أن يصدق الله تعالى في قوله : ما عندكم ينفد وما عند الله باق ، وفي قوله عز وجل : وما عند الله خير وأبقى ، وقوله: والآخرة خير وأبقى ، وقوله: وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور ، وقوله: فلا تغرنكم الحياة الدنيا وقد أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك طوائف من الكفار فقلدوه وصدقوه وآمنوا به ولم يطالبوه بالبرهان .

ومنهم من قال: نشدتك الله أبعثك الله رسولا فكان يقول: نعم ، فيصدق، وهذا إيمان العامة ، وهو يخرج من الغرور ، وينزل هذا منزلة تصديق الصبي والده في أن حضور المكتب خير من حضور الملعب مع أنه لا يدري وجه كونه خيرا .

وأما المعرفة بالبيان والبرهان فهو أن يعرف وجه فساد هذا القياس الذي نظمه في قلبه الشيطان فإن كل مغرور فلغروره سبب وذلك السبب هو دليل وكل دليل فهو نوع قياس يقع في النفس ، ويورث السكون إليه وإن كان صاحبه لا يشعر به ، ولا يقدر على نظمه بألفاظ العلماء .

فالقياس الذي نظمه الشيطان فيه أصلان .

أحدهما أن الدنيا نقد والآخرة نسيئة ، وهذا صحيح .

والآخر قوله إن النقد خير من النسيئة ، وهذا محل التلبيس ، فليس الأمر كذلك ، بل إن كان النقد مثل النسيئة في المقدار والمقصود فهو خير ; وإن كان أقل منها ، فالنسيئة خير فإن الكافر المغرور يبذل في تجارته درهما ليأخذ عشرة نسيئة ، ولا يقول : النقد خير من النسيئة فلا أتركه ، وإذا حذره الطبيب الفواكه ولذائذ الأطعمة ترك ذلك في الحال خوفا من ألم المرض في المستقبل فقد ، ترك النقد ورضي بالنسيئة .

والتجار ، كلهم يركبون البحار ، ويتعبون في الأسفار نقدا لأجل الراحة ، والربح نسيئة فإن كل عشرة في ثاني الحال خيرا من واحد في الحال فأنسب لذة الدنيا من حيث مدتها إلى مدة الآخرة ، فإن أقصى عمر الإنسان مائة سنة وليس هو عشر عشير من جزء من ألف ألف جزء من الآخرة .

فكأنه ترك واحدا ليأخذ ألف ألف ، بل ليأخذ ما لا نهاية له ولا حد ، وإن نظر من حيث النوع رأى لذات الدنيا مكدرة مشوبة بأنواع المنغصات ولذات الآخرة صافية غير مكدرة فإذن قد غلط في قوله : النقد خير من النسيئة فهذا غرور منشؤه قبول لفظ عام مشهور أطلق وأريد به خاص فغفل به المغرور عن خصوص معناه .

فإن من قال : النقد خير من النسيئة أراد به خيرا من نسيئة هي مثله وإن لم يصرح به .

وعند هذا يفزع الشيطان إلى القياس الآخر وهو أن اليقين خير من الشك إذا الآخرة شك وهذا القياس أكثر فسادا من الأول ; لأن كلا أصليه باطل إذ ; اليقين خير من الشك إذا كان مثله وإلا فالتاجر في تعبه على يقين .

وفي ربحه على شك والمتفقه في جهاده على يقين ، وفي إدراكه رتبة العلم على شك والصياد ، في تردده في المقتنص على يقين ، وفي الظفر بالصيد على شك وكذا ، الحزم دأب العقلاء بالاتفاق ، وكل ذلك ترك اليقين بالشك ، ولكن التاجر يقول : إن لم أتجر بقيت جائعا ، وعظم ضرري ، وإن اتجرت كان تعبي قليلا ، وربحي كثيرا ، وكذلك المريض يشرب الدواء البشع الكريه ، وهو من الشفاء على شك ، ومن مرارة الدواء على يقين ، ولكن يقول : ضرر مرارة الدواء قليل بالإضافة إلى ما أخافه من المرض والموت فكذلك ، من شك في الآخرة ، فواجب عليه بحكم الحزم أن يقول : أيام الصبر قلائل ، وهو منتهى العمر بالإضافة إلى ما يقال من أمر الآخرة ، فإن كان ما قيل فيه كذبا فما يفوتني إلا التنعم أيام حياتي ، وقد كنت في العدم من الأزل إلى الآن لا أتنعم ، فأحسب أني بقيت في العدم .

وإن كان ما قيل صدقا فأبقى في النار أبد الآباد ، وهذا لا يطاق .

ولهذا ، قال علي كرم الله وجهه لبعض الملحدين إن كان ما قلته حقا فقد تخلصت وتخلصنا ، وإن كان ما قلناه حقا فقد تخلصنا وهلكت وما قال هذا عن شك منه في الآخرة ، ولكن كلم الملحد على قدر عقله ، وبين له أنه وإن لم يكن متيقنا فهو مغرور .

وأما الأصل الثاني من كلامه ، وهو أن الآخرة شك فهو أيضا خطأ ، بل ذلك يقين عند المؤمنين ، وليقينه مدركان :

أحدهما الإيمان والتصديق تقليدا للأنبياء والعلماء ; وذلك أيضا يزيل الغرور ، وهو مدرك يقين العوام ، وأكثر الخواص ومثالهم ، مثال مريض لا يعرف دواء علته ، وقد اتفق الأطباء وأهل الصناعة من عند آخرهم على أن دواءه النبت الفلاني فإنه يطمئن نفس المريض إلى تصديقهم ، ولا يطالبهم بتصحيح ذلك بالبراهين الطبية ، بل يثق بقولهم ويعمل به ولو بقي سوادي أو معتوه يكذبهم في ذلك وهو يعلم بالتواتر وقرائن الأحوال أنهم أكثر منه عددا ، وأغزر منه فضلا ، وأعلم منه بالطب ، بل لا علم له بالطب فيعلم كذبه بقولهم ، ولا يعتقد كذبهم بقوله ، ولا يغتر في علمهم بسببه ، ولو اعتمد قوله وترك قول الأطباء كان معتوها مغرورا فكذلك من نظر إلى المقرين بالآخرة ، والمخبرين عنها .

التالي السابق


(أما الذين غرتهم الحياة الدنيا فهم الذين قالوا: النقد) وهو الحاضر المعجل في الحال (خير من النسيئة) ، وهو الغالب [ ص: 430 ] المقدر بالأجل فعيلة من نسأ الأمر إذا أخره (والدنيا نقد، والآخرة نسيئة، فإذا هي خير فلا بد من إيثارها) على الآخرة، (وقالوا) أيضا: (اليقين خير من الشك، ولذات الدنيا يقين) أي: متيقن بها لحصولها في الحال، (ولذات الآخرة شك) إذ هي غير مرئية، وإنما يحكى عنها (فلا نترك اليقين بالشك، وهذه أقيسة فاسدة تشبه قياس إبليس حيث قال) في معرض تفضيل نفسه على آدم عليه السلام: ( أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين ) ، والنار خير من الطين، إذ هي جوهر نوراني، والطين جوهر ظلماني، (وإلى هؤلاء الإشارة بقوله تعالى: أولئك الذين اشتروا الحياة الدنيا بالآخرة ) أي: استبدلوا بها ( فلا يخفف عنهم العذاب ) يوم القيامة ( ولا هم ينصرون ) في الدنيا، أو لا يغاثون في الآخرة، (وعلاج هذا الغرور: إما بتصديق الإيمان، وإما بالبرهان; أما التصديق بمجرد الإيمان فأن يصدق الله تعالى في قوله: ما عندكم ينفد ) أي: يفنى ( وما عند الله باق ) لا نفاد له، (وفي قوله: وما عند الله خير وأبقى ، وفي قوله: والآخرة خير وأبقى ، وفي قوله: وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور ، وفي قوله: فلا تغرنكم الحياة الدنيا فإذا صدق الله تعالى في هذه الأقوال انمحت ظلمة الكفر) عن قلبه، وارتسم نور ذلك التصديق فيه، فهذا مبدأ الأنوار، (وقد أخبر صلى الله عليه وسلم بذلك طوائف الكفار) من عبدة الأوثان والكواكب (فقلدوه وصدقوه وآمنوا ولم يطالبوه بالبرهان) ، قال العراقي: وهو المشهور في السير; من ذلك قصة إسلام الأنصار، وبيعتهم، وهي عند أحمد بإسناد جيد من حديث جابر، وفيه: حتى بعثنا الله إليه من يثرب فأويناه وصدقناه، فيخرج الرجل منا فيؤمن به، ويقرئه القرآن فينقلب إلى أهله فيسلمون بإسلامه. الحديث .

(ومنهم من قال: نشدتك الله) أي: حلفتك به (أبعثك الله رسولا فكان يقول: نعم، فيصدق) ، قال العراقي: متفق عليه من حديث أنس في قصة ضمام بن ثعلبة، وقوله للنبي: صلى الله عليه وسلم: آلله أرسلك إلى الناس كلهم فقال: "اللهم نعم"، وفي آخره فقال الرجل: آمنت بما جئت به.

وللطبراني من حديث ابن عباس في قصة ضمام قال: نشدتك به، أهو أرسلك بما أتتنا كتبك، وأتتنا رسلك لأن نشهد أن لا إله إلا الله، وأن ندع اللات والعزى؟ قال: "نعم" الحديث. انتهى .

قلت: حديث ضمام في الصحيحين من رواية أنس قال: بينما نحن عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ جاء أعرابي فقال: أيكم ابن عبد المطلب؟ الحديث، وفيه أنه أسلم، وقال: أنا رسول من ورائي من قومي، وأنا ضمام بن ثعلبة، ومداره عند البخاري على الليث، عن سعيد المقبري، عن شريك، عن أنس، وعلقه البخاري أيضا، ووصله من رواية سليمان بن المغيرة، عن ثابت، عن أنس، وأخرجه النسائي، والبغوي من طريق عبيد الله بن عمر، عن سعيد، عن أبي هريرة، وعدوه وهما في السنة، وفي آخر المتن قبل قوله: وأنا ضمام بن ثعلبة قال: فأما هذه الهنات - يعني الفواحش- فوالله إنا كنا نتنزه عنها في الجاهلية فلما أن ولى، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فقه الرجل". وكان عمر رضي الله عنه يقول: ما رأيت أحدا أحسن مسألة، ولا أوجز من ضمام بن ثعلبة.

وروى أبو داود من طريق إسحاق عن سلمة بن كهيل وغيره، عن كريب، عن ابن عباس قال: بعث بنو سعد ضمام بن ثعلبة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فذكره مطولا وفي آخره: فما سمعنا بوافد قوم قط كان أفضل من ضمام قال البغوي: كان يسكن الكوفة، وكان قدومه سنة تسع .

(وهذا إيمان العامة، وهو مخرج من الغرور، وينزل هذا منزلة تصديق الصبي) الغر (والده في أن حضور المكتب خير من حضور الملعب مع أنه لا يدري وجه كونه خيرا .

وأما المعرفة بالبيان والبرهان وهو أن تعرف وجه فساد هذا القياس الذي نظمه في قلبه الشيطان) ، ورتبه، وحسنه إياه، (فإن كل مغرور فلغروره سبب) لولاه لما وجد; (وذلك السبب هو دليل) أي: بمنزلته، (وكل دليل فهو نوع قياس يقع في النفس، ويورث السكون إليه) في الجملة، (وإن كان صاحبه لا يشعر، ولا يقدر على نظمه بألفاظ العلماء) كما جرت العادة من تقسيمه إلى لفظي، ووضعي، وتقسيم الوضعي إلى مطابقة وتضمن والتزام، (فالقياس الذي نظمه الشيطان) في قلبه (فيه أصلان أحدهما أن [ ص: 431 ] الدنيا نقد) معجل (والآخرة نسيئة، وهذا) أصل (صحيح) لصدق الموضوع والمحمول فيهما .

(والآخر أن النقد خير من النسيئة، وهذا) باطل على عمومه، وهو (محل التلبيس، فليس الأمر كذلك، بل) فيه تفصيل، وذلك (إن كان النقد مثل النسيئة في المقدار والمقصود) بأن يتساويا فيهما بحيث لا يزيد أحدهما على الآخر، (فهو) حينئذ (خير من النسيئة; لأن عند التساوي يرجح ما هو الحاضر) لسرعة الانتفاع به (وإن كان أقل منهما، فالنسيئة خير) منه، وأما قولهم: عصفور في الكف خير من كركي في الجو فهو إشارة إلى تمني ما يعسر عليه الوصول له مع إمكانه، فحينئذ الكثرة في الطرف الثاني غير معتبرة، وكلا منافي النقد والنسيئة إذا كانا متيسرين على حد واحد; (فإن هذا الكافر) المحجوب بظلمة الطبع (المغرور) في حاله (يبذل في تجارته درهما ليأخذ عشرة نسيئة، ولا يقول: النقد خير من النسيئة فلا أتركه، وإذا حذره الطبيب الفواكه) الرطبة (ولذائذ الأطعمة ترك ذلك في الحال خوفا من ألم المرض في المستقبل، وقد) تراه (ترك النقد ورضي بالنسيئة، و) أيضا فإن (التجار كلهم يركبون البحار، ويتعبون في الأسفار) في البراري والقفار (نقد الأجل) حصول (الراحة، والربح نسيئة فإن كان عشرة في ثاني حال خيرا من واحد في الحال فانسب لذة الدنيا من حيث مدتها إلى مدة الآخرة، فإن أقصى عمر الإنسان مائة سنة) ، وهو المقارب للعمر الطبيعي في الغالب (وليس عشر عشير من جزء من ألف ألف جزء من الآخرة فكأنه ترك واحدا ليأخذ ألف ألف، بل ليأخذ ما لا نهاية له ولا حد، وإن نظر من حيث النوع رأى لذات الدنيا) كلها (مكدرة) ممررة (مشوبة بأنواع المنغصات) أي: المكدرات، (ولذات الآخرة) بأسرها صافية غير مكدرة ولا منغصة، وأيضا فلذات الدنيا إلى نفاد، ولذات الآخرة إلى ازدياد، (فإذا قد غلط في قوله: النقد خير من النسيئة) على الإطلاق، (فهذا غرور منشؤه قبول لفظ عام مشهور) ، وضع وضعا واحدا لكثير غير محصور، مستغرق لجميع ما يصلح له (أطلق وأريد به) معنى (خاص) معلوم على الانفراد، وإنما قيدنا بالانفراد; ليتميز عن المشترك، (فغفل المغرور عن خصوص معناه; فإن من قال: النقد خير من النسيئة أراد به من نسيئة هي مثله) في المقدار والمقصود (وإن لم يصرح به، وعند هذا يفزع الشيطان إلى القياس الآخر) لما يرى نفسه منهزما من الأول، (وهو أن اليقين خير من الشك) ، والدنيا يقين حاضر، (والآخرة شك) غائب، (وهذا القياس أكثر فسادا من الأول; لأن كلا أصليه باطل; إذا اليقين خير من الشك إذا كان مثله) ، ومساويه في الرتبة، (وإلا فالتاجر في التعب على يقين، وفي ربحه على شك، و) كذلك (الصياد في تردده إلى المقتنص) أي: موضع الصيد (على يقين، وفي الظفر بما يصيد على شك، وكذلك الحزم) وهو الأخذ بالتحري والضبط (دأب العقلاء بالاتفاق، وكل ذلك ترك لليقين بالشك، ولكن التاجر يقول: إن لم أتجر بقيت جائعا، وعظم ضرري، وإن اتجرت كان تعبي قليلا، وربحي كثيرا، وكذلك المريض يشرب الدواء البشع) المر (الكريه، وهو من الشفاء على شك، ومن مرارة الدواء على يقين، ولكن يقول: ضرر مرارة الدواء قريب) ، وفي نسخة: قليل (بالإضافة إلى ما أخاف من المرض والموت، وكذلك من شك في الآخرة، فواجب عليه بحكم الحزم أن يقول: أيام الصبر قلائل، وهو منتهي العمر) ، وباقيه قريب، وفي نسخة: قليل (بالإضافة إلى ما يقال من أمر الآخرة، فإن كان ما قيل [ ص: 432 ] فيه كذبا فما يفوتني إلا التنعم أيام حياتي، وقد كنت في العدم من الآزال إلى الآن لا أتنعم، فأحسب أني بقيت في العدم) كما كنت أولا، (وإن كان ما قيل صدقا فأبقى في النار أبد الآباد، وهذا لا يطاق، ولذلك قال علي كرم الله وجهه لبعض الملحدين) من منكري الآخرة، وقد سأله عن أشياء، فأجاب، ثم قال: (إن كان ما قلته حقا) أي: في أمر الآخرة والعذاب (فقد تخلصت وتخلصنا، وإن كان ما قلناه حقا فقد تخلصنا وهلكت) أورده الشريف في نهج البلاغة، (وليس هذا) الجواب (عن شك منه) رضي الله عنه (في) أمور (الآخرة، ولكن) سجل بذلك إذ (كلم الملحد على قدر عقله، وبين له أنه وإن لم يكن متيقنا فهو مغرور، وأما الأصل الثاني، وهو أن الآخرة شك فهو أيضا خطأ، بل ذلك يقين عند المؤمنين، وليقينه مدركان: أحدهما الإيمان والتصديق تقليدا للأنبياء والعلماء; وذلك أيضا يزيل الغرور، وهو مدرك ليقين العوام، وأكثر الخواص، ومثاله مثال مريض لا يعرف دواء علته، وقد اتفق الأطباء وأهل الصناعة من عند آخرهم) أي: جميعا (على أن دواءه النبت الفلاني) مثلا (فإنه تطمئن نفس المريض إلى تصديقهم، ولا يطالبهم بتصحيح ذلك بالبراهين الطبية، بل يثق بقولهم ويعمل به ولو بقي سوادي) منسوب إلى سواد الأرض، والمراد به الغافل المشتغل بحراثة الأرض البعيد عن الجماعة، (أو معتوه) فاسد العقل (يكذبهم في ذلك) القول، (وهو يعلم بالتواتر وقرائن الأحوال أنهم) أي: الأطباء وأهل الصناعة (أكثر منه عددا، وأغزر منه فضلا، وأعلم بالطب منه، لا بل لا علم له) أي: لذلك السوادي والمعتوه (بالطب) أصلا، (فيعلم كذبه بقولهم، ولا يعتقد كذبهم بقوله، ولا يغتر في عمله بسببه، ولو اعتمد قوله وترك قول الأطباء كان معتوها مغرورا) مخطئا في عمله; (فلذلك من نظر إلى المقرين بالآخرة، والمخبرين عنها) ، وما فيها من المخاوف والأهوال والسعادة والإقبال .




الخدمات العلمية