الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
الثاني أن تفتر نفسه عن فضائل الأعمال ، ويقتصر على الفرائض ، فيرجي نفسه نعيم الله تعالى ، وما وعد به الصالحين حتى ينبعث من الرجاء نشاط العبادة فيقبل على الفضائل ، ويتذكر قوله تعالى : قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون إلى قوله : أولئك هم الوارثون الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون ، فالرجاء الأول يقمع القنوط المانع من التوبة . والرجاء الثاني يقمع الفتور المانع من النشاط والتشمر فكل توقع حث على توبة ، أو على تشمر في العبادة فهو رجاء ، وكل رجاء أوجب فتورا في العبادة وركونا إلى البطالة فهو غرة كما إذا خطر له أن يترك الذنب ويشتغل بالعمل فيقول له الشيطان: ما لك ولإيذاء نفسك وتعذيبها ، ولك رب كريم غفور رحيم فيفتر بذلك عن التوبة ، والعبادة فهو غرة ، وعند هذا واجب على العبد أن يستعمل الخوف فيخوف نفسه بغضب الله ، وعظيم عقابه ، ويقول : إنه مع أنه غافر الذنب ، وقابل التوب شديد العقاب وإنه مع أنه كريم خلد الكفار في النار أبد الآباد ، مع أنه لم يضره كفرهم ، بل سلط العذاب ، والمحن ، والأمراض ، والعلل ، والفقر ، والجوع على جملة من عباده في الدنيا ، وهو قادر على إزالتها ، فمن هذه سنته في عباده ، وقد خوفني عقابه فكيف لا أخافه وكيف أغتر به .

؟! فالخوف والرجاء قائدان وسائقان ، يبعثان الناس على العمل ، فما لا يبعث على العمل فهو تمن وغرور .

التالي السابق


(الثاني أن يفتر نفسه) أي: يكسلها (عن فضائل الأعمال، ويقتصر على الفرائض، فيرجي نفسه نعم الله تعالى، وما وعد به الصالحين) من صالح الجزاء (حتى ينبعث من الرجاء نشاط العبادة فيقبل على الفضائل، ويتذكر قوله تعالى: قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون إلى قوله: أولئك هم الوارثون الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون ، فالرجاء الأول يقمع القنوط المانع من التوبة. والرجاء الثاني يقمع القنوط من النشاط والتشمر) في الفضائل .

(وكل توقع حث على توبة، أو على تشمر في العبادة فهو رجاء، وكل توقع أوجب فتورا في العبادة وركونا إلى البطالة فهو غرة) بالكسر، وبه يظهر الفرق بينهما أيضا، كما إذا خطر له أن يترك الذنب، ويشتغل بالعمل فيقول الشيطان موسوسا في قلبه: (ما لك ولإيذاء نفسك وتعذيبها، ولك رب غفور رحيم) كريم، فيغتر بذلك أي: يكسله (عن التوبة، والعبادة فهي الغرة، وعند هذا يجب على العبد أن يستعمل العمل) ، ويستمر عليه (ويخوف نفسه بغضب الله، وعظيم عقابه، ويقول: إنه) جل وعز (مع أنه غافر الذنب، وقابل التوب) يغفر ذنوب عباده، ويقبل توبتهم (شديد العقاب) على من عصاه وخالفه، وقد قرنها في سياق واحد، لأجل التنبيه على ذلك، (وإنه) جل وعز (مع أنه كريم) عفو (خلد الكفار في النار أبد الآباد، مع أنه لم يضره كفرهم، بل سلط العذاب، والمحن، والأمراض، والعلل، والفقر، والجوع) ، والعري (على جملة من عباده في الدنيا، وهو قادر على إزالتها، فمن هذه سنته في عباده، وقد خوفني عقابه فكيف لا أخافه) لئلا يصيبني ما أصابهم، (وكيف أغتر به؟! فالخوف والرجاء قائدان وسائقان، يبعثان الناس على العمل، فما لا يبعث على العمل فهو تمن وغرور) ، وبهذا كذلك يتضح الفرق بين الرجاء والتمني.




الخدمات العلمية