الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وفرقة أخرى ينفقون الأموال في الصدقات على ، الفقراء والمساكين ، ويطلبون به المحافل الجامعة ومن الفقراء من عادته الشكر والإفشاء للمعروف ويكرهون التصدق في السر ، ويرون إخفاء الفقير لما يأخذ منهم جناية عليهم وكفرانا وربما يحرصون على إنفاق المال في الحج فيحجون مرة بعد أخرى ، وربما تركوا جيرانهم جياعا ، ولذلك قال ابن مسعود في آخر الزمان يكثر الحاج بلا سبب ، يهون عليهم السفر ويبسط لهم في الزرق ويرجعون محرومين مسلوبين يهوي بأحدهم بعيره بين الرمال والقفار ، وجاره مأسور إلى جنبه لا يواسيه .

وقال أبو نصر التمار إن رجلا جاء يودع بشر بن الحارث وقال : قد عزمت على الحج ، فتأمرني بشيء فقال : له كم أعددت للنفقة فقال : ألفي درهم .

قال ، بشر : فأي شيء تبتغي بحجك ; تزهدا أو اشتياقا إلى البيت أو ابتغاء مرضاة الله ؟! قال : ابتغاء مرضاة الله قال فإن أصبت مرضاة الله تعالى وأنت في منزلك ، وتنفق ألفي درهم ، وتكون على يقين من مرضاة الله تعالى ، أتفعل ذلك ? قال : نعم . قال : اذهب فأعطها عشرة أنفس مديون يقضي دينه وفقير يرم شعثه ومعيل يغني عياله ، ومربي يتيم يفرحه ، وإن قوي قلبك تعطيها واحدا فافعل ; فإن إدخالك السرور على قلب المسلم ، وإغاثة اللهفان ، وكشف الضر وإعانة الضعيف أفضل من مائة حجة بعد حجة الإسلام ، قم فأخرجها كما أمرناك ، وإلا فقل لنا ما في قلبك . فقال يا أبا نصر سفري أقوى في قلبي فتبسم بشر رحمه الله ، وأقبل عليه وقال له : المال إذا جمع من وسخ التجارات والشبهات اقتضت النفس أن تقضي به وطرا فأظهرت الأعمال الصالحات ، وقد آلى الله على نفسه أن لا يقبل إلا عمل المتقين .

التالي السابق


(وفرقة أخرى ينفقون المال في الصدقات، وعلى الفقراء والمساكين، ويطلبون به المحافل الجامعة) للناس لأجل أن يظهر لهم إنفاقه، (و) يختارون (من الفقراء من عادته الشكر) ، والثناء (والإفشاء للمعروف) بين الناس، (ويكرهون التصدق في السر، ويرون إخفاء الفقير لما أخذ منهم جناية عليهم وكفرانا) لنعمتهم، (وربما يحرصون على إنفاق المال في الحج فيحجون مرة بعد أخرى، وربما تركوا جيرانهم جياعا، ولذلك قال ابن مسعود) رضي الله عنه: (في آخر الزمان يكثر الحاج بلا سبب، يهون عليهم السفر) أي: لما يتعودونه (ويبسط لهم في الرزق) أي: يكثر دخلهم بالتجارات وغيرها، (ويرجعون محرومين) أي: من الأجر (مسلوبين) عن الثواب، (يهوى بأحدهم بعيره من القفار والرمال، وجاره مأسور) أي: مربوط (إلى جنبه لا يواسيه) ، ولا يسأل عنه .

(وروى أبو نصر التمار) عبد الملك بن عبد العزيز القشيري النسائي ثقة عابد مات سنة ثمان وعشرين، وهو ابن إحدى وتسعين سنة، روى له مسلم والنسائي; (أن رجلا جاء يودع) أبا نصر (بشر بن الحارث) الحافي رحمه الله تعالى، (وقال: قد عزمت على الحج، فتأمرني بشيء فقال: له) بشر: (كم أعددت للنفقة) أي: هيأت لها (فقال: ألفي درهم، فقال بشر: فأي شيء تبتغي بحجك; تزهدا) في الدنيا، (أو اشتياقا إلى البيت) المكرم، (أو ابتغاء مرضاة الله؟! قال: ابتغاء مرضاة الله) . قال بشر: (فإن أصبت رضا الله تعالى وأنت في منزلك، وتنفق ألفي درهم، وتكون على يقين من مرضاة الله، أتفعل ذلك؟ قال: نعم. قال: اذهب فأعطها عشر أنفس مدين يقضي دينه وفقير يرم شعثه) أي: يصلح حاله الذي غيره (ومعيل) أي: صاحب عيال (يغني عائلته، ومربي يتيم يفرحه، وإن قوي قلبك تعطيها واحدا) من هؤلاء (فافعل; فإن إدخال السرور على قلب المسلم، وإغاثة اللهفان، وكشف الضر) عن المضرور (وإعانة الضعيف أفضل من مائة حجة بعد حجة الإسلام، قم فأخرجها كما أمرناك، وإلا فقل لنا ما في قلبك. فقال) الرجل: (يا أبا نصر) هي كنية بشر، (سفري أقوى في قلبي فتبسم بشر رحمه الله، وأقبل عليه فقال له: المال إذا جمع من وسخ التجارات والشبهات اقتضت النفس أن تقضي به وطرا) من أوطارها، (فأظهرت الأعمال الصالحات، وقد آلى الله على نفسه أن لا يقبل إلا عمل المتقين) نقله صاحب القوت .




الخدمات العلمية