الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
فأقول : تصور الذنب وذكره والتفجع عليه كمال في حق المبتدئ لأنه إذا نسيه لم يكثر احتراقه فلا تقوى إرادته وانبعاثه لسلوك الطريق لأن ، ذلك يستخرج منه الحزن والخوف الوازع عن الرجوع إلى مثله فهو بالإضافة إلى الغافل كمال ولكنه بالإضافة إلى سالك الطريق نقصان فإنه شغل مانع عن سلوك الطريق ، بل سالك الطريق ينبغي أن لا يعرج على غير السلوك فإن ظهر له مبادئ الوصول وانكشف له أنوار المعرفة ولوامع ، الغيب استغرقه ذلك ، ولم يبق متسع للالتفات إلى ما سبق من أحواله وهو الكمال ، بل لو عاق المسافر عن الطريق إلى بلد من البلاد نهر حاجز طال تعب المسافر في عبوره مدة من حيث إنه كان قد خرب جسره من قبل ولو ، جلس على شاطئ البحر بعد عبوره يبكي متأسفا على تخريبه الجسر كان هذا مانعا آخر ، اشتغل به بعد الفراغ من ذلك المانع ، نعم إن لم يكن الوقت وقت الرحيل بأن كان ليلا فتعذر السلوك ، أو كان على طريقه أنهار وهو يخاف على نفسه أن يمر بها فليطل بالليل بكاؤه وحزنه على تخريب الجسر ليتأكد بطول الحزن عزمه على أن لا يعود إلى مثله ، فإن حصل له من التنبيه ما وثق بنفسه أنه لا يعود إلى مثله ، فسلوك الطريق أولى به من الاشتغال بذكر تخريب الجسر والبكاء عليه ، وهذا لا يعرفه إلا من عرف الطريق والمقصد والعائق وطريق السلوك ، وقد أشرنا إلى تلويحات منه في كتاب العلم ، وفي ربع المهلكات .

التالي السابق


وقد توسط المصنف بين القولين، وقرره بأحسن الوجهين فقال: (فأقول: تصور الذنب وذكره) في خياله (والتفجع عليه كمال في حق المبتدئ المريد) ، وهو الذي لاحظه السري السقطي قدس سره قال: (لأنه إذا نسيته لم يكثر احتراقه فلا تقوى إرادته وانبعاثه لسلوك الطريق، ولأن ذلك) أي: تصوره كذلك (يستخرج عنه الحزن) من مكامنه، (والخوف الوازع) أي: المانع (عن الرجوع إلى مثله) في الحال والمستقبل، (فهو بالإضافة إلى الغافل) الذي لم يشم رائحة السلوك (كمال) في الجملة، (ولكنه بالإضافة إلى سالك الطريق نقصان) في المقام، (فإنه شغل مانع عن سلوك الطريق، بل سالك الطريق ينبغي أن لا يعرج على غير السلوك) ، ولا يلتفت لسواه; (فإن ظهر له) في سلوكه (مبادئ الوصول) ، وفتحت له الأبواب، (وانكشف له أنوار المعرفة، و) بدت له (لوامع الغيب) ، وأصحاب البدايات في الترقي بالقلب في زمان سيرهم يرقبون ذلك; فتكون لوائح، ثم لوامع، ثم طوالع، واللوامع أظهر من اللوائح، وليس زوالها بتلك السرعة فقد تبقى وقتين وثلاثة، واللوائح كالبروق كلما ظهرت استترت، فإذا لمع قطعك عنه، وجمعك به، لكنه لم يسفر نور نهاره حتى كرت عليه عساكر الليل، وهذه المعاني إذا ظهرت للسالك في أثناء سيره (استغرقه) ظهور (ذلك، ولم يبق فيه متسع للالتفات إلى ما سبق من أحواله) ، ولكنها تختلف بالقضايا، فمنها ما إذا فات لم يبق عنه أثر كالشوارق، وإذا أفلت ما يبقى أثره، فإن زال وقته بقي ألمه، وإن غرب أنواره بقي آثاره، فصاحبه بعد سكون غلباته يعيش في ضياء بركاته، (وهو الكمال، بل لو عاق) أي: حال (المسافر عن) سلوك (الطريق إلى بلد من البلاد) في عالم الملك (نهر حاجز) أي: مانع (طال تعب المسافر عبوره مدة من حيث إنه كان قد خرب جسره من قبل، فلو جلس على شاطئ النهر) أي: طرفه (بعد عبوره يبكي متأسفا تخريبه الجسر كان هذا مانعا آخر، اشتغل به بعد الفراغ من ذلك المانع، نعم إن لم يكن الوقت وقت الرحيل بأن كان ليلا فتعذر السلوك، أو كان على طريقه أنهار) حاجزة، و (هو يخاف على نفسه أن يمر بها) أي: جسورها (فليطل بالليل بكاؤه وخزنه على تخريب الجسر ليتأكد [ ص: 592 ] بطول الحزن عزمه على أن لا يعود إلى مثله، فإن حصل له من التنبيه ما وثق بنفسه أنه لا يعود إلى مثله، فسلوك الطريق أولى به من الاشتغال بذكر تخريب الجسر والبكاء عليه، وهذا لا يعرفه إلا من عرف الطريق والمقصد والعائق وسلوك الطريق، وقد أشرنا إلى تلويحات) أي: إشارات (منه في كتاب العلم، وفي ربع المهلكات) فليراجع هنالك، فظهر من ذلك أن تصور الذنب إنما يصلح للتائب الغافل، حتى يتبين من نفسه الاجتهاد والمسارعة إلى التكفير، وأما السالك فربما يعوقه عن السلوك .




الخدمات العلمية