مسألة : قال  الشافعي   رضي الله عنه : " وإذا  ادعى الرجل الشيء في يدي الرجل   ، فالظاهر أنه لمن هو في يديه مع يمينه ، لأنه أقوى سببا ، فإن استوى سببهما ، فهما فيه سواء ، فإن أقام الذي ليس في يديه البينة ، قيل لصاحب اليد البينة التي لا تجر إلى أنفسها بشهادتها أقوى من كينونة الشيء في يديك ، وقد يكون في يديك ما لا تملكه ، فهو لفضل قوة سببه على سببك ، فإن أقام الآخر بينة قيل قد استويتما في الدعوى والبينة والذي      [ ص: 301 ] الشيء في يديه أقوى سببا ، فهو له لفضل قوة سببه ، وهذا معتدل على أصل القياس والسنة على ما قلنا في  رجلين تداعيا دابة وأقام كل واحد منهما البينة أنها دابته نتجها ، فقضى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم للذي هو في يديه  قال وسواء التداعي والبينة في النتاج وغيره " .  
قال  الماوردي      : وأصل هذا أن مجرد الدعاوى في المطالبات لا يحكم في فصلها إلا بحجة تقترن بها ، فحجة المدعي البينة على إثبات ما ادعاه ، وحجة المدعى عليه اليمين على نفي ما أنكره ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم :البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه     " .  
وروى  الأعمش   ، عن  شقيق بن وائل   ، عن  الأشعث   ، قال :  كان بيني وبين يهودي أرض فجحدني عليها ، فقدمته إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : ألك بينة ، فقلت لا . فقال لليهودي : احلف . قلت : إذن يحلف ، فيذهب بمالي ، فنزل قوله تعالى  إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا      [ آل عمران : 77 ]  ، فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا الخبر حجة كل واحد منهما .  
وروى  سماك   ، عن  علقمة بن وائل بن حجر   ، عن أبيه ،  أن رجلا من  حضرموت   أتى النبي صلى الله عليه وسلم ومعه رجل من  كندة   ، فقال : يا رسول الله ، إن هذا غلبني على أرض كانت لأبي فقال الكندي : أرضي ، وفي يدي ازرعها ، لا حق له فيها ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم للحضرمي : ألك بينة ، قال : لا . فقال : لك يمينه . فقال الحضرمي : إنه فاجر لا يبالي على ما حلف إنه لا يتورع من شيء ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " ليس لك منه إلا ذاك     " فدل على ما ذكرناه .  
ويدل عليه من طريق المعنى أن  البينة أقوى من اليمين   ، لزوال التهمة عن البينة وتوجهها إلى اليمين .  
وجنبة المدعى عليه أقوى من جنبة المدعي ، لأن الدعوة إن توجهت إلى ما في يده فالظاهر أنه على ملكه ، وإن توجهت إلى دين في ذمته ، فالأصل براءة ذمته ، فجعلت أقوى الحجتين وهي البينة في أضعف الجنبتين وهي المدعي ، وجعلت أضعف الحجتين وهي اليمين في أقوى الجنبتين وهي المدعى عليه ، لتكون قوة الحجة جبرانا ، لضعف الجنبة وفي الجنبة جبرانا لضعف الحجة فتعادلا في الضعف والقوة .  
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					