الطرف السابع : في خصال الكفاءة    . 
إحداها : التنقي من العيوب  المثبتة للخيار ، واستثنى  البغوي  منها التعنين وقال : لا يتحقق ، فلا ينظر إليه . وفي تعليق الشيخ  أبي حامد  وغيره : التسوية بين التعنين وغيره ، وإطلاق الجمهور يوافقه . فمن به عيب ، ليس كفئا لسليمة منه ، وكذا إن كان بها ذلك ( العيب ) ، لكن ما به أفحش ، أو أكثر ، فليس بكفء . فإن تساويا ، أو كان ما بها أكثر ، فوجهان بناء على ثبوت الخيار في هذه الحالة ، ويجريان لو كان مجبوبا وهي رتقاء ، وزاد  الروياني  على العيوب المثبتة للخيار العيوب المنفرة ، كالعمى ، والقطع ، وتشوه الصورة . وقال : هي تمنع الكفاءة عندي ، وبه قال بعض الأصحاب ، واختاره  الصيمري     . 
الثانية : الحرية  ، فلا يكون رقيق كفئا لحرة أصلية ولا عتيقة ، ولا عتيق لأصلية ، ولا من مس الرق أحد آبائه لمن لم يمس أحدا من آبائها ، ولا من مس أبا أقرب في نسبه لمن مس أبا أبعد من نسبها . ويشبه أن يكون الرق في الأمهات مؤثرا ، ولذلك تعلق به الولاء . 
قلت : المفهوم من كلام الأصحاب ، أن الرق في الأمهات لا يؤثر  كما سيأتي في النسب إن شاء الله تعالى . وقد صرح بهذا صاحب " البيان " فقال : من ولدته رقيقة كفء لمن ولدته عربية ، لأنه يتبع الأب في النسب . - والله أعلم - . 
الثالثة : النسب  ، فالعجمي ليس كفئا للعربية ، ولا غير القرشي للقرشية ، ولا غير الهاشمي والمطلبي للهاشمية أو المطلبية . وبنو هاشم  وبنو المطلب  أكفاء . وحكي وجه : أن قريشا  بعضهم أكفاء بعض ، ويعتبر النسب في العجم كالعرب    . وقال  القفال  والشيخ  أبو عاصم     : لا يعتبر ، لأنهم لا يعتنون بحفظها وتدوينها . والأول أصح .   [ ص: 81 ] ومقتضاه الاعتبار فيمن سوى قريش  من العرب أيضا ، لكن ذكر ذاكرون أنهم أكفاء . 
قلت : مقتضى كلام الأكثرين ، أن غير قريش  من العرب بعضهم أكفاء بعض  ، كما صرح به هؤلاء الجماعة . وذكر الشيخ  إبراهيم المروذي  ، أن غير كنانة ليسوا أكفاء لكنانة . ومما يتعلق بهذا ما حكاه في " البيان " عن  الصيمري  ، أنه قال : موالي قريش  أكفاء لقريش  ، وكذا موالي كل قبيلة أكفاء لها ، ( قال ) : وجمهور الأصحاب على أنهم ليسوا بأكفاء ، وهو الصحيح . - والله أعلم - . 
فرع 
الاعتبار في النسب  بالأب ، فمن أبوه عجمي وأمه عربية ، ليس بكفء لمن أبوها عربي وأمها عجمية . 
الرابعة : الدين والصلاح  ، فمن أسلم بنفسه ، ليس كفئا لمن لها أبوان أو ثلاثة في الإسلام ، وقيل : كفء ، وقيل : لا ينظر إلا إلى الأب الأول والثاني ، فمن له أبوان في الإسلام ، كفء لمن لها عشرة آباء في الإسلام ، والأول أصح . والفاسق ليس بكفء للعفيفة  ، ولا تعتبر الشهرة ، بل من لا يشهر بالصلاح كفء للمشهورة به . وإذا لم يكن الفاسق كفئا للعفيفة ، فالمبتدع أولى أن لا يكون كفئا للنسيبة ، وقد نص عليه  الروياني     - رحمه الله - . 
الخامسة : الحرفة    . فأصحاب الحرف الدنية ليسوا أكفاء لغيرهم . فالكناس ،   [ ص: 82 ] والحجام ، وقيم الحمام ، والحارس ، والراعي ونحوهم ، لا يكافئون بنت الخياط  ، والخياط لا يكافئ بنت تاجر أو بزاز  ، ولا المحترف بنت القاضي والعالم . 
وذكر في الحلية أنه تراعى العادة في الحرف والصنائع  ، لأن في بعض البلاد التجارة أولى من الزراعة ، وفي بعضها بالعكس . 
فرع 
الحرفة الدنية  في الآباء ، والاشتهار بالفسق ، مما يعير به الولد ، فيشبه أن يكون حال من كان أبوه صاحب حرفة دنية ، أو مشهورا بفسق ، مع من أبوها عدل ، كما ذكرنا فيمن أسلم بنفسه مع من أبوها مسلم . 
والحق أن يجعل النظر في حق الآباء دينا وسيرة وحرفة من حيز النسب ، فإن مفاخر الآباء ومثالبهم ، هي التي يدور عليها أمر النسب ، وهذا يؤكد اعتبار النسب في العجم . ويقتضي أن لا تطلق الكفاءة بين غير قريش  من العرب . 
السادسة : اليسار  على وجه . والأصح : أنه غير معتبر . فإن اعتبرناه ، فوجهان . أحدهما : أن المعتبر يسار بقدر المهر والنفقة ، فإذا أيسر به ، فهو كفء لصاحبة الألوف . وأصحهما : لا يكفي ذلك ، بل الناس أصناف ، غني ، وفقير ، ومتوسط ، وكل صنف أكفاء وإن اختلفت المراتب . وفي " فتاوى " القاضي  حسين     : أنه لو زوج بنته البكر بمهر مثلها رجلا معسرا بغير رضاها  ، لم يصح النكاح على المذهب ، لأنه بخس حقها ، كتزويجها بغير كفء . 
 [ ص: 83 ] فرع 
ليس من الخصال المعتبرة في الكفاءة الجمال ونقيضه  ، لكن ذكر  الروياني  ، أن الشيخ لا يكون كفئا للشابة على الأصح ، وأن الجاهل ليس كفئا للعالمة ، وهذا فتح باب واسع . 
قلت : الصحيح خلاف ما قاله  الروياني     . قال أصحابنا : وليس البخل والكرم والطول والقصر معتبرا . قال  الصيمري     : واعتبر قوم البلد ، فقالوا : ساكن مكة  والمدينة  والبصرة  والكوفة  ، ليس كفئا لساكن الجبال ، قال : وهذا ليس بشيء . - والله أعلم - . 
فرع 
مقتضى كلام الجمهور ، أن خصال الكفاءة لا تقابل بعضها ببعض  ، وقد صرح به  البغوي  وأبو الفرج السرخسي  ، حتى لا تزوج سليمة من العيوب دنية بمعيب نسيب ، ولا حرة فاسقة بعبد عفيف ، ولا عربية فاسقة بعجمي عفيف ، ولا رقيقة عفيفة بحر فاسق ، وتكفي صفة النقص في المنع . وفصل الإمام فقال : السلامة من العيوب لا تقابل بسائر فضائل الزوج ، وكذا الحرية ، وكذا النسب . 
وفي انجبار دناءة نسبه بعفته الظاهرة ، وجهان . أصحهما : المنع ، قال : والتنقي من الحرف الدنية ، يقابله الصلاح وفاقا . والصلاح إن اعتبرناه ، يقابل بكل خصلة ، والأمة العربية بالحر العجمي على هذا الخلاف . 
 [ ص: 84 ] فرع 
قال الإمام   والغزالي     : لا اعتبار بالانتساب إلى عظماء الدنيا  والظلمة المستولين على الرقاب وإن كان الناس قد يتفاخرون بهم ، وهذا الذي قالاه ، لا يساعده كلام النقلة . وقد قال المتولي : للعجم عرف في الكفاءة ، فيعتبر عرفهم . 
واعلم أن صاحب الشامل نقل قولا عن كتاب   البويطي     : أن الكفاءة في الدين وحده ، والمشهور ما سبق . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					