الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        الطرف الثاني : في نكاح العبد وفيه مسائل .

                                                                                                                                                                        إحداها : المهر والنفقة لازمان في نكاح العبد لزومهما في نكاح الحر .

                                                                                                                                                                        وبما يتعلقان ؟ نظر هل العبد محجور عليه أم مأذون له في التجارة ؟ فهما حالان .

                                                                                                                                                                        الأول : المحجور عليه ، فينظر ، أمكتسب هو أم لا ؟ إن كان مكتسبا تعلقا بكسبه ، ويتعلقان بالكسب العام كالاصطياد والاحتطاب وما يحصله بصنعة وحرفة ، وبالأكساب النادرة كالحاصلة بالوصية والهبة . وفي وجه : لا يتعلقان بالنادر . والصحيح الأول ، وإنما يتعلقان بما كسب بعد النكاح . فإن كان المهر مؤجلا ، لم يتعلقا إلا بما كسبه بعد حلول الأجل . وهل للعبد أن يؤجر نفسه للمهر والنفقة ؟ وجهان بناء على بيع المستأجر . إن جوزناه ، جاز ، وإلا ، فلا لئلا يمنع البيع على السيد . قال المتولي : والوجهان في إجارة العين . فأما إذا التزم عملا في الذمة ، فالمذهب جوازه ; لأنه دين في ذمته لا يمنع البيع .

                                                                                                                                                                        [ ص: 225 ] وطريق الصرف إلى المهر والنفقة ، أن ينظر في الحاصل كل يوم فيؤدي منه النفقة إن وفى بها ، فإن فضل شيء صرف إلى المهر ، وهكذا كل يوم حتى يتم المهر ، فإذا تم ، صرف الفاضل عن النفقة إلى السيد ، ولا يدخر للنفقة .

                                                                                                                                                                        وإن لم يكن مكتسبا ، فهو في ذمة العبد ، أم في رقبته ، أم على السيد ؟ فيه ثلاثة أقوال . أظهرها الأول . وطرد القاضي أبو حامد القول الثاني في المكتسب .

                                                                                                                                                                        الحال الثاني : أن يكون مأذونا له في التجارة ، فالمهر والنفقة يتعلقان بربح ما في يده ; لأنه كسبه ، ويتعلقان برأس المال على الأصح . وفي الربح الذي يتعلقان به وجهان . أحدهما : الحاصل بعد النكاح فقط ، كما في كسب غير المأذون له . وأصحهما : يتعلق به وبالحاصل قبل النكاح أيضا ، هذا كله في المهر الذي تناوله الإذن . أما لو قدر السيد مهرا ، فزاد العبد ، فالزيادة لا تتعلق إلا بالذمة .

                                                                                                                                                                        المسألة الثانية : يجب على السيد تخلية العبد بالليل للاستمتاع ، وله أن يستخدمه نهارا إذا تكفل بالمهر والنفقة ، وإلا فعليه أن يخليه ليكتسب . فإن استخدمه ولم يلتزم شيئا ، لزمه الغرم لما استخدمه . وفيما يغرمه وجهان . أصحهما : أقل الأمرين من أجرة المثل وكمال المهر والنفقة . والثاني : كمال المهر والنفقة . وعلى الوجهين في المراد بالنفقة وجهان . الصحيح : نفقة مدة الاستخدام . والثاني : نفقة مدة النكاح ما امتدت ; لأنه ربما كان يكسب ما يفي بجميع ذلك . ولو استخدمه أجنبي ، لم يلزمه إلا أجرة المثل ; لأنه لم يوجد منه إلا الإتلاف ، ولم يسبق منه ما سبق من السيد ، وهو الإذن المقتضي لالتزام مؤن النكاح .

                                                                                                                                                                        [ ص: 226 ]

                                                                                                                                                                        [ المسألة ] الثالثة : للسيد أن يسافر بالعبد وإن تضمن منعه من الاستمتاع ; لأنه مالك الرقبة ، كما يسافر بالأمة المزوجة ، ثم للعبد أن يسافر بزوجته معه . قال البغوي : ويكون الكراء في كسبه . فإن لم تخرج الزوجة معه ، أو كانت رقيقة فمنعها سيدها ، سقطت نفقتها . وإن لم يطالبها الزوج بالخروج ، فالنفقة بحالها ، والسيد يتكفل بها ، فإن لم يفعل ، ففيما يغرمه في مدة السفر الخلاف السابق . هذا هو المنقول في الطرق ، ونص عليه في " المختصر " . ونقل الإمام عن العراقيين ، أنه [ ليس ] للسيد استخدامه ، ولا أن يسافر به ما بقيت عليه مؤنة من مؤن النكاح ، وجعل المسألة ذات خلاف للأصحاب ، ولا يكاد يتحقق فيها خلاف .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        أكثر ما ذكرناه في هذه المسائل متفرع على القول الجديد ، وهو أنه إذا أجرى النكاح بإذن السيد ، لا يصير ضامنا بالإذن للمهر والنفقة ; لأنه لم يلتزمه تصريحا و [ لا ] تعريضا . وقال في القديم : يصير ضامنا بالإذن ملتزما المهر والنفقة . واتفق الأصحاب على أن الجديد هو الأظهر . فعلى الجديد : لو أذن بشرط الضمان لم يصر ضامنا أيضا ; لأنه لا وجوب عند الإذن . وإذا قلنا بالقديم ، فهل يجب على السيد ابتداء ، أم يلاقي العبد ثم يحمل عنه السيد ؟ وجهان حكاهما أبو الفرج الزاز . فعلى الأول : لا تتوجه المطالبة إلا على السيد . ولو أبرأت العبد ، فهو لغو .

                                                                                                                                                                        [ ص: 227 ] وعلى الثاني : تتوجه المطالبة عليهما ، ويصح إبراء العبد ، ويبرأ به السيد . وصحح أبو الفرج الوجه الثاني ، وقطع البغوي بالأول ، وكلام الإمام يقرب منه .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        في فتاوى القاضي حسين ، أنه لو زوج أمته عبده ، فنفقة الأمة على السيد كنفقة العبد . فلو أعتقها السيد وأولادها ، سقطت نفقتهم عنه ، وتعلقت نفقتها بكسب العبد ، وعليها نفقة الأولاد إن كانت موسرة ، وإلا ففي بيت المال . ولو أعتق العبد دونها ، سقطت نفقتهما عنه ، وكانت نفقة الأمة على العتيق كحر تزوج أمة غيره .

                                                                                                                                                                        المسألة الرابعة : هذا الذي سبق حكم المهر في النكاح الصحيح . وأما المهر في النكاح الفاسد ، فله صورتان .

                                                                                                                                                                        إحداهما : إذا فسد نكاح العبد لجريانه بغير إذن سيده ، فرق بينه وبين المرأة ، فإن دخل بها قبل التفريق ، فلا حد للشبهة ، ويجب مهر المثل . وهل يتعلق بذمته لكونه وجب برضى مستحقه ، أم برقبته لأنه إتلاف ؟ فيه قولان . أظهرهما : الأول ، ومنهم من قطع به . وإن جرى النكاح بغير إذن مستحق المهر ، بأن نكح أمة بغير إذن سيدها ووطئها ، فطريقان . أحدهما : القطع بتعلقه بالرقبة ، وبه قال ابن الحداد ، كما لو أكره أمة أو حرة على الزنا . والثاني : طرد القولين ; لأن المهر وإن كان لغيرها فيمكنها إسقاطه في الجملة بإرضاع أو ردة .

                                                                                                                                                                        الثانية : أذن سيده في النكاح ، فنكح نكاحا فاسدا ودخل بها قبل التفريق [ ص: 228 ] فهل يتعلق المهر بذمته ، أم برقبته ، أم بكسبه ؟ أقوال . أظهرها الأول . ولو نكح بالإذن صحيحا ، لكن فسد المهر ، قال الصيدلاني : تعلق مهر المثل بالكسب قطعا . ولو صرح بالإذن في نكاح فاسد ووجب مهر المثل ، فقياس هذه الصور تعلقه بالكسب .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        في فتاوى القاضي حسين أنه لو اختلف السيد والعبد في الإذن في النكاح ، فقال السيد : ما أذنت ، فالوجه أن تدعي المرأة على السيد أن كسب هذا العبد مستحق لي لمهري ونفقتي ليسمع القاضي البينة .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية