الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        فصل

                                                                                                                                                                        أما المهر ، إذا أسلم أحدهما قبل الدخول أو بعده ، فسبق بيانه عند ذكر الخلاف في صحة أنكحتهم . فلو قالت : سبقتني بالإسلام قبل الدخول ، فعليك نصف المهر ، فادعى العكس ، صدقت بيمينها ; لأن الأصل بقاء نصف الصداق . ولو ادعى سبقها ، فقالت : لا أدري أينا سبق ، لم يتمكن من طلب المهر . فإن عادت وقالت : علمت أنه سبق ، صدقت بيمينها وأخذت النصف . ولو اعترفا بالجهل بالسابق ، فلا نكاح ، لاتفاقهما على تعاقب الإسلام قبل الدخول . ثم إن كان ذلك قبل قبض المهر ، لم تتمكن من طلبه ، لاحتمال سبقها ، وإن كان بعده ، لم يتمكن هو من استرداد النصف ، لاحتمال سبقه فيقر النصف في يدها ، حتى يتبين الحال . ولو اختلفا في بقاء النكاح ، فقال : أسلمنا معا ، فالنكاح باق ، وقالت : بل متعاقبين ولا نكاح ، فقولان . أظهرهما : القول قوله ، والثاني : قولها ، لتعارض الأصل والظاهر . فإن [ ص: 174 ] قلنا : القول قولها ، نظر ، إن قالت : أسلمت قبلي ، حلفت على البت أنها ما أسلمت وقت إسلامه ، وإن قالت : أسلمت قبلك ، حلفت على نفي العلم بإسلامه يوم إسلامها .

                                                                                                                                                                        ولو اختلفا على العكس ، فقالت : أسلمنا معا ، فقال : بل متعاقبين ، فلا نكاح ، لاعترافه ، وهي تدعي نصف المهر . وفي المصدق منهما القولان . ولو قال : لا ندري أسلمنا معا أو متعاقبين ، استمر النكاح .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        أسلمت بعد الدخول ، ثم أسلم هو وادعى أن إسلامه سبق انقضاء العدة ، وادعت العكس ، فهذا يتصور على أوجه .

                                                                                                                                                                        أحدها : أن يتفقا على وقت انقضاء العدة ، كغرة رمضان ، فادعى إسلامه في شعبان ، وقالت : بل في خامس رمضان ، فالقول قولها ; لأن الأصل بقاء كفره .

                                                                                                                                                                        والثاني : أن يتفقا على وقت إسلامه ، كغرة رمضان ، وقال : انقضت عدتك في خامس رمضان ، وقالت : بل في شعبان ، فالقول قوله بيمينه .

                                                                                                                                                                        الثالث : أن لا يتفقا على شيء ، واقتصر على أن إسلامي سبق ، واقتصرت على أن عدتي سبقت ، فالنص أن القول قوله ، ونص فيما إذا ارتد ، ثم أسلم ، وادعى أنه أسلم في العدة ، وادعت انقضاءها قبل إسلامه ، وفيما إذا قال : راجعتك في العدة ، فقالت : بل بعدها ، أن القول قولها . وللأصحاب طرق .

                                                                                                                                                                        أحدها : طرد قولين في المسائل الثلاث ، هل القول قوله ، أم قولها ؟ والثاني : أن النصين على حالين . فإن اتفقا على وقت إسلامه أو رجعته ، واختلفا في انقضاء العدة ، فالقول قوله . وإن اتفقا على وقت انقضاء العدة ، واختلفا في أنه أسلم أو راجع قبله ، فالقول قولها . والطريق الثالث وهو الأصح وبه قال ابن سريج وأبو إسحاق ، ورجحه [ ص: 175 ] الشيخ أبو حامد والبغوي وغيرهما : أن من سبق بالدعوى ، فالقول قوله ، وعليه ينزل النص في المسائل الثلاث ; لأن المدعي أولا مقبول ، فلا يرد بمجرد قول آخر . وزاد البغوي فيما إذا سبق دعواه فقال : إن ادعت بعد أن مضى بعد دعواه زمن ، فهو المصدق . فإن اتصل كلامها بكلامه ، فهي المصدقة .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        نص الشافعي ، رضي الله عنه ، أن الزوج لو أقام شاهدين على أنهما جميعا أسلما حين طلعت الشمس يوم كذا ، أو حين غربت ، قبلت شهادتهما واستمر النكاح . وإن شهدا أنهما أسلما مع طلوع الشمس ، أو مع غروبها ، لم يحكم بهذه الشهادة ; لأن حين طلوعها وغروبها يتناول حالة تمام الطلوع أو الغروب ، وهي حالة واحدة . وقوله : مع الطلوع يصدق من حين يأخذ في الطلوع ، فيجوز أن يكون إسلام أحدهما مقارنا لطلوع أول القرص ، وإسلام الآخر مقارنا بطلوع آخره .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        نكحت في الكفر زوجين ، ثم أسلموا ، فإن ترتب النكاحان ، فهي زوجة الأول ، فإن مات الأول ثم أسلمت مع الثاني وهم يعتقدون جواز التزويج بزوجين ، ففي جواز التقرير وجهان .

                                                                                                                                                                        قلت : ينبغي أن يكون أصحهما التقرير . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        وإن وقع النكاحان معا ، لم تقر مع واحد منهما ، سواء اعتقدوا جوازه ، أم لا . وفيما إذا اعتقدوه وجه : أن المرأة تختار أحدهما ، كما لو أسلم على أختين ، وبالله التوفيق .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية