الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        [ ص: 222 ] فصل

                                                                                                                                                                        إذا قال لأمته : أعتقتك على أن تنكحيني ، أو على أن أنكحك ، لم تعتق إلا بالقبول [ على الاتصال ] . وسواء قال مع ذلك : وعتقك صداقك أو لم يقل . ولو قالت ابتداء أعتقني على أن أنكحك ، فأجابها إليه ، فكذلك ، ثم لا يلزمها الوفاء ; لأن النكاح لا يصح التزامه في الذمة . وفي " شرح مختصر الجويني " وجه ، عن أبي إسحاق ، أنه يلزمها الوفاء ، وهو شاذ لا التفات إليه ، والصواب الأول ، ويلزمها قيمتها للسيد ; لأنه أعتقها على عوض لم يسلم ، فصار كإعتاقها على خمر ، وسواء في لزوم القيمة وفت بالنكاح المشروط أو لم تف . ولو رغبت في النكاح ، فللسيد أن يمتنع ولا تسقط القيمة بذلك . ولو تراضيا على النكاح وأصدقها غير القيمة ، فلها ما أصدقها وله عليها القيمة ، وقد يقع التقاص .

                                                                                                                                                                        وإن أصدقها القيمة ، فإن علماها عند العقد ، صح الإصداق ، وبرئت ذمتها . وإن جهلاها جميعا أو أحدهما ، فوجهان . أصحهما : فساد الصداق كسائر المجهولات . فعلى هذا ، لها مهر المثل وعليها القيمة . والثاني وبه قال ابن خيران : يصح ; لأن القيمة لم تثبت مقصودة ، وكما لو أصدقها عبدا جهلا قيمته . ولو أتلفت امرأة على رجل عبدا ، فتزوجها بقيمته المجهولة ، فسد الصداق قطعا ، ورجعت إلى مهر المثل . قال الإمام : ولو طرد الوجهان هنا لكان قياسا ، ولو نكحها المعتق على أن يكون عتقها صداقها ، فسد الصداق لأن العتق قد تقرر فلا يكون صداقا لنكاح متأخر . وفي " الرقم " للعبادي وجه ، أنه يصح ، وكأنه بالشرط جعل رقبتها صداقا ، والصحيح الأول .

                                                                                                                                                                        والمستولدة ، والمدبرة ، والمكاتبة ، والمعتق بعضها ، حكمهن في الإعتاق على أن ينكحنه [ ص: 223 ] حكم القنة . وحكى ابن القطان وجها ، أنه لا قيمة على المستولدة لأنها لا تباع . ولو قال لغيره : أعتق عبدك عني على أن أنكحك بنتي ، فأجاب ، أو قالت امرأة : أعتقه على أن أنكحك ، ففعل ، عتق العبد ، ولم يلزم الوفاء بالنكاح . وفي وجوب قيمة العبد ، وجهان بناء على القولين فيما لو قال : أعتق عبدك عنك على ألف علي ، هل يلزمه الألف أم لا ؟ أصحهما عند الشيخ أبي حامد والبغوي وغيرهما : أنه لا يلزمه ، إذ لا يعود إليه نفع بعتقه . ولو قال لأمته : أعتقتك على أن تنكحي زيدا ، فقبلت ، ففي وجوب القيمة وجهان حكاهما الحناطي .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        قالت لعبدها : أعتقك على أن تنكحني ، ففي افتقار عتقه إلى قبوله وجهان . أحدهما : نعم . فإذا قبل ، عتق ولزمه قيمته ، ولا يلزمه الوفاء . وأصحهما : لا ، بل يعتق بلا قبول ولا شيء عليه .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        إذا لم يأمن السيد وفاءها بالنكاح ولم يرد العتق إن لم تنكحه ، فهل لذلك طريق يثق به ؟ وجهان .

                                                                                                                                                                        أحدهما : نعم . قال ابن خيران : وطريقه أن يقول : إن كان في علم الله ، تعالى ، أن أنكحك أو تنكحيني بعد عتقك ، فأنت حرة . فإن رغبت وجرى النكاح بينهما ، عتقت وحصل غرض السيد ، وإلا استمر الرق . ونسب الإمام هذا الوجه إلى صاحب " التقريب " ، وعبارته في هذا التعليق : إن يسر الله ، تعالى ، [ ص: 224 ] بيننا نكاحا فأنت حرة قبله بيوم ، فإذا مضى يوم ونكحته ، انعقد النكاح وتبين حصول العتق قبله بيوم ، وذكر اليوم جرى تمثيلا ، ويكفي أن يقول : فأنت حرة قبل .

                                                                                                                                                                        والوجه الثاني وبه قال أكثر الأصحاب : لا يصح النكاح في هذه الصورة ، ولا يحصل العتق لأنه حال العتق شاك ، هل هي حرة أو أمة ، كما إذا قال لأمته : إن دخلت الدار فأنت حرة قبله بشهر ، وأراد أن ينكحها في الحال ، لا يصح .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية