الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        السبب الثالث : العتق ، فإذا عتقت أمة تحت حر ، فلا خيار لها ، وإن عتقت تحت عبد ، فلها الخيار إن عتقت كلها ، فإن أعتق بعضها ، فلا خيار . وقال المزني : لها الخيار . ولو دبرت أو كوتبت أو علق عتقها بصفة ، فلا خيار . ولو عتقت تحت مكاتب أو مدبر أو من بعضه رقيق ، فلها الخيار . ولو عتق الزوج وتحته أمة ، فلا خيار له على الصحيح أو المشهور . ولو عتقا معا ، فلا خيار ، ويثبت خيار العتق للصبية والمجنونة عند البلوغ والإفاقة ، ولا يقوم الولي مقامهما في الفسخ والإجازة . ولو عتق الزوج قبل أن تفسخ العتيقة ، بطل خيارها على الأظهر المنصوص في المختصر .

                                                                                                                                                                        فروع

                                                                                                                                                                        الفرع الأول : طلقها رجعيا فعتقت في العدة ، فلها الفسخ ليقطع سلطنة الرجعة .

                                                                                                                                                                        [ ص: 193 ] وقيل : الفسخ موقوف ، إن راجعها ، نفذ ، وإلا فلا . والصحيح الأول . وإذا فسخت هل تستأنف عدة ، أم تكفي بقية العدة ؟ قولان كما لو طلق الرجعية . وإذا قلنا بالبناء ، فتكمل عدة حر أو أمة ؟ فيه خلاف موضعه " كتاب العدد " . ولو أخرت الفسخ ، فلها ذلك ، ولا يبطل لها . ولو أجازت ، لم تنفذ الإجازة ; لأنها محرمة جارية إلى بينونة ، فالإجازة لا تلائم حالها . قال الإمام : ولم يخرجوه على وقف العقود ; لأن شرط الوقف أن يكون مورد العقد [ قابلا لمقصود العقد ] وحكي عن الشيخ أبي محمد حكاية وجه في نفوذ إجازتها . ونقل الغزالي عن بعضهم تخريجا على وقف العقود ، فإن راجعها ، نفذت ، وإلا فلا . ولو ثبت لها خيار العتق ، فطلقها قبل أن تفسخ ، فإن كان طلاقا رجعيا ، بقي حقها في الفسخ والحكم كما لو أعتقت في العدة . وإن كان بائنا ، فقولان . أحدهما : أن الطلاق موقوف ، وإن فسخت ، بان أنه لم يقع ، وإلا بان وقوعه وهذا نصه في " الأم " . وأظهرهما يقع وهو نصه في " الإملاء " لمصادفته النكاح ، ويبطل الخيار ، ومنهم من أنكر القول الأول . ولو طلق الزوج المعيب قبل فسخها ، ففي وقوع الطلاق ووقفه هذا الخلاف .

                                                                                                                                                                        الفرع الثاني : إذا فسخت العتيقة قبل الدخول ، فلا مهر ، وليس للسيد منعها من الفسخ . وإن فسخت بعد الدخول ، نظر ، إن تقدم الدخول على العتق ، وجب المسمى ، وإن تأخر عنه وكانت جاهلة بالحال ، وجب مهر المثل على المذهب . وقيل : المسمى ، وقيل : خلاف فيهما . وأيهما أوجبناه ، فهو للسيد ، وكذا لو اختارت المقام معه ، وجرى في العقد تسمية صحيحة أو فاسدة ، فالمهر للسيد ; لأنه وجب بالعقد .

                                                                                                                                                                        [ ص: 194 ] وإن زوجها مفوضة ، فإن دخل بها الزوج أو فرض لها قبل العتق فهو للسيد أيضا . وإن عتقت ثم دخل بها ، أو فرض لها ، فهل المهر للسيد أم لها ؟ قولان بناء على أن مهر المفوضة يجب بالعقد أم بالفرض أو الدخول .

                                                                                                                                                                        الفرع الثالث : خيار العتق على الفور على الأظهر ، وفي قول : يمتد ثلاثة أيام ، وفي قول : إلى أن يصرح بإسقاطه ، أو تمكن من الوطء طائعة . وفي وجه : تتقدر بالمجلس . فإن قلنا بالفور ، فهو كما ذكرنا في الرد بالعيب في البيع وفي الشفعة . قال الإمام تفريعا على القول الثاني : ابتداء الأيام الثلاثة من وقت تخييرها ، وذلك إذا علمت بالعتق وثبوت الخيار ، ولا يحسب من وقت العتق . وذكر تفريعا على القول الثالث ، أنها لو مكنت ولم يصبها الزوج ، لم يبطل حقها ; لأن التمكين من الوطء لا يتحقق إلا عند حصول الوطء ، وأنه لو أصابها الزوج قهرا ، ففي سقوط الخيار تردد لتمكنها من الفسخ عند الوطء ، فإن كان قبض على فمها ، بقي حقها قطعا . وعلى هذا القول لو قال : أصبتها فأنكرت ، فأيهما يصدق ؟ وجهان حكاهما ابن كج ; لأن الأصل بقاء النكاح وعدم الإصابة . وإذا اعتبرنا الفور ، فتمكنت ولم تفسخ ، أو مضت الأيام الثلاثة ، أو مكنت من الوطء ، إذا اعتبرنا ذلك ، ثم ادعت الجهل بالعتق ، صدقت بيمينها إن لم يكذبها ظاهر الحال . فإن كذبها ، بأن كانت معه في بيته ويبعد خفاء العتق عليها ، فالمصدق الزوج ، هذا هو المذهب . وقيل : في المصدق قولان مطلقا . فإن ادعت الجهل بأن العتق يثبت الخيار ، صدقت على الأظهر . ولو ادعت الجهل بأن الخيار على الفور ، قال الغزالي : لا تعذر ، ولم أر المسألة لغيره من الأصحاب ، ولكن ذكرها العبادي في " الرقم " .

                                                                                                                                                                        [ ص: 195 ] وقال : إن كانت قديمة العهد بالإسلام وخالطت أهله ، لم تعذر ، وإن كانت حديثة العهد به أو لم تخالط أهله ، فقولان .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        هذا الفسخ لا يحتاج إلى مراجعة الحاكم ، ولا إلى المرافعة إليه ; لأنه ثابت بالنص والإجماع ، كالرد بالعيب والشفعة .

                                                                                                                                                                        قلت : وللزوج وطء العتيقة ما لم تفسخ ، وكذا لزوج الصغيرة والمجنونة ، العتيقين وطؤهما ما لم تفسخا بعد البلوغ والإفاقة . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية