فصل 
قد سبق بيان ما إذا لم يقترن بالعقد الجاري في الشرك ولا بالإسلام مفسد ، وما إذا اقترن بالعقد مفسد ، وهذا الفصل لقسم ثالث ، وهو أن لا يقترن بالعقد ، لكن يطرأ مفسد ويقترن بالإسلام ، وفيه مسائل بناها جماعة على أن الاختيار والإمساك كابتداء العقد ، أم كاستدامته ؟ قالوا : وفيه قولان مستنبطان . أظهرهما عند الأصحاب الأول . 
إحدى المسائل : إذا أسلم ، ووطئت زوجته بشبهة ثم أسلمت ، أو أسلمت ثم وطئت بشبهة ، ثم أسلم قبل انقضاء العدة  ، استمر نكاحهما على المذهب والمنصوص وإن كان لا يجوز ابتداء نكاح المعتدة ، لأن عدة الشبهة لا تقطع نكاح المسلم ، فذا أولى . 
[ المسألة ] الثانية : أسلم وأحرم ، ثم أسلمت في العدة  ، فعن النص جواز إمساكها في الإحرام ، وكذا لو أسلم وتحته أكثر من أربع نسوة ثم أسلمن وهو محرم ، له اختيار ( أربع ) منهن ، وللأصحاب طريقان . أحدهما : القطع بالمنع ، كما لو أسلم وتحته أمة وهو موسر ، لا يجوز إمساكها ، وهؤلاء حملوا النص على ما إذا أسلما معا ثم أحرم الزوج ، فله الاختيار ، لأنه ثبت قبل الإحرام . وممن روي عنه هذا التأويل ،  الأنماطي  ،  وابن سلمة     . وعن  القفال  إنكار هذا النص ، وقال : تفحصت كتب   الشافعي  ، فلم أجده . والطريق الثاني وهو الصحيح : أن المسألة على قولين . أحدهما : المنع .   [ ص: 148 ] وأظهرهما ومختار أكثر الأصحاب : الأخذ بظاهر النص ، لأن عروض الإحرام لا يؤثر كما في نكاح المسلم ، ولأن الإمساك استدامة ، فأشبه الرجعة . 
المسألة الثالثة : نكح في الكفر حرة وأمة ، ثم أسلم وأسلمتا معه  ، فالمذهب أن الحرة تتعين للنكاح ، ويندفع نكاح الأمة . وسواء نكحهما معا أو مرتبا ، وتندفع الأمة أيضا باليسار المقارن للإسلام . وقيل : في اندفاعها في الصورتين قولان ، بناء على الأصل المذكور . والحاصل للفتوى ، أنه متى أسلم وتحته أمة وأسلمت معه ، أو جمعهما الإسلام في العدة ، فإن كان يحل له نكاح الأمة أمسكها ، وإن لم يحل ليسار أو أمن العنت ، اندفع نكاحها . 
[ المسألة ] الرابعة : أسلمت بعد الدخول وارتدت  ، فإن لم يسلم الزوج حتى انقضت العدة ، بانت باختلاف الدين أولا ، وتكون العدة من يومئذ . وإن أسلم قبل انقضائها ، سقط حكم تلك العدة من يومئذ ، ونتوقف . فإن عادت إلى الإسلام قبل انقضاء العدة من وقت ردتها ، استمر النكاح ، وإلا ، انقطع من يوم الردة ، وكذا لو أسلم الزوج بعد الدخول وارتد ، إن لم تسلم المرأة إلى انقضاء العدة من وقت إسلامه ، بانت ، وإن أسلمت ، توقفنا ، فإن عاد الزوج إلى الإسلام قبل انقضاء العدة من وقت ردته ، استمر النكاح ، وإلا ، حصلت الفرقة من يومئذ . قال الإمام : وحكى  القفال  عن النص أنه يندفع النكاح في إسلام أحد الزوجين وارتداده ، ولا يتوقف ، والمشهور التوقف . وعلى هذا قال  البغوي  وغيره : الردة يفترق فيها حكم الابتداء والاستدامة ، لأن ابتداء نكاح المرتد باطل غير منعقد على التوقف ، وفي الدوام توقفنا ، فالتحقت الردة بالعدة للشبهة والإحرام . وإنما قيل بالتوقف في الردة ، ولم نجوز الاختيار فيها بخلاف الإحرام والعدة ، لأن منافاة الردة للنكاح أشد ، فإنها تقطعه ، بخلافهما ، ولهذا لا تجوز الرجعة في الردة ، وتجوز في الإحرام على الأصح . ولو أسلم وتحته أكثر من أربع ، وارتد ، ثم أسلمت   [ ص: 149 ] النسوة في العدة ، أو أسلم وأسلمن معه ، ثم ارتد قبل الاختيار ، لم يجز أن يختار أربعا منهن في الردة . فإن عاد إلى الإسلام في العدة ، فله الاختيار حينئذ . 
فرع 
قد بان بما ذكرنا ، أن القاطع للنكاح عند الإسلام ، منه ما يكون موجودا عند العقد واستمر كالعدة ، ومنه ما يطرأ كما لو نكح حرة على أمة ثم أسلم ، أو نكح أمة ثم أيسر وأسلم موسرا . ثم هل يشترط في الانقطاع أن يقارن المفسد إسلامهما ، أو يكفي اقترانه بإسلام أحدهما ؟ فيه خلاف سبق . 
أما القسم الأول : فالأصح الاكتفاء . 
وأما الثاني : فقد ذكرنا أن المذهب أنه إذا أسلم ومعه حرة وأمة ، اندفعت الأمة ، وكذا لو أسلمت الحرة المدخول بها معه أو بعده قبل انقضاء العدة ثم أسلمت الأمة . ولو أصرت الأمة حتى انقضت العدة ، اندفعت باختلاف الدين . ولو ماتت الحرة بعد إسلامها ، أو ارتدت ، ثم أسلمت الأمة ، اندفعت الأمة أيضا ، وكفى اقتران إسلام الحرة بإسلامه . ولو أسلم وتحته أمة وهو موسر ، ثم تلف ماله وأسلمت وهو معسر ، فله إمساكها ، وإنما يؤثر اليسار في الدفع إذا قارن إسلامهما جميعا . وقيل : يكفي اقتران اليسار بإسلامه ، حكي هذا عن أبي يحيى البلخي ، قال : وعكسه لو أسلم معسرا ثم أسلمت وهو موسر ، فله إمساكها نظرا إلى وقت إسلامه . وعن   ابن خيران     : في اليسار الزائل قولان . وعن القاضي  أبي حامد     : أن في صورة الحرة والأمة له إمساك الأمة ، فحصل خلاف في الصورتين . والمذهب في صورة الحرة والأمة اندفاع الأمة وإن ماتت الحرة . وفي صورة زوال اليسار عدم اندفاعها ، واعتبار اقترانه بإسلامهما ، لأن وقت الاجتماع هو وقت جواز نكاح الأمة . 
 [ ص: 150 ] 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					