الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        [ ص: 276 ] السبب السادس : مخالفة الآمر لا يشترط في إذن المرأة حيث يعتبر إذنها تقدير المهر ، ولا ذكره . لكن لو قدرت فقالت : زوجني بألف مثلا ، فزوجها الولي أو وكيله بخمسمائة ، لم يصح النكاح ، وألحق البغوي بهذه الصورة ما إذا زوجها الولي بلا مهر أو مطلقا . وقيل : في صحة النكاح في صورة الولي قولان . ولو قالت لوكيل الولي : زوجني ولم تتعرض للمهر ، فزوجها بدون مهر المثل ، فسد النكاح على المذهب . وقيل : قولان . أحدهما : يفسد . والثاني : يصح بمهر المثل . وذكر البغوي هذين الطريقين فيما لو وكل الولي بالتزويج مطلقا ، فزوج الوكيل ونقص عن مهر المثل . وإذا قلنا : لا يصح نكاح الوكيل إذا نقص عن مهر المثل فلو أطلق التزويج ولم يتعرض للمهر ، ففيه احتمالان للإمام . أحدهما : لا يصح النكاح أيضا ; لأن الإطلاق يقتضي ذكر المهر عرفا . وأصحهما : يصح مهر المثل ; لأن فعله مطابق للإذن . ولو أذنت للولي في التزويج مطلقا ، فزوج بدون مهر المثل أو بلا مهر ، فهل يبطل النكاح أم يصح بمهر المثل ؟ فيه القولان السابقان في السبب الخامس .

                                                                                                                                                                        أظهرهما : الصحة . وقيل : يفسد قطعا كالوكيل . ولو قالت للولي أو للوكيل : زوجني بما شاء الخاطب ، فقال المأذون له للخاطب : زوجتكها بما شئت ، فإن لم يعرف ما شاء الخاطب ، فقد زوجها بمجهول ، فيصح النكاح بمهر المثل . وإن عرف ، فوجهان . أصحهما : صحة المسمى لعلمها به . والثاني : يصح النكاح بمهر المثل ، وبه قال القاضي حسين لإبهام اللفظ .

                                                                                                                                                                        قلت : هذا المذكور في هذا السبب ، هو طريقة الخراسانيين . وأما العراقيون فقطعوا بصحة النكاح في كل هذه المسائل . قال صاحب " البيان " : إذا أذنت [ ص: 277 ] في التزويج ، فزوجها وليها بلا مهر ، أو بدون مهر المثل ، أو بدون ما أذنت فيه أو بغير جنسه ، أو زوج الأب البكر الصغيرة أو الكبيرة بلا مهر أو بأقل من مهر مثلها ، أو وكل بعلا فزوجها بلا مهر ، أو بأقل من مهر مثلها ، فقال أصحابنا البغداديون : يصح النكاح في كل الصور بمهر المثل . وحكى الخراسانيون قولين في صحة النكاح في جميع ذلك . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        قال الولي للوكيل : زوجها من شاءت بكم شاءت ، فزوجها برضاها بغير كفء بدون مهر المثل ، صح . ولو قال : زوجها بألف فزوجها بخمسمائة برضاها ، قال المتولي : الصحيح صحة النكاح ; لأن المهر حقها . وقيل : لا يصح لأنه باشر غير ما وكل فيه .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        جاء رجل وقال : أنا وكيل فلان في قبول نكاح فلانة بكذا ، فصدقه الولي والمرأة ، وجرى النكاح ، وضمن الوكيل الصداق ، ثم إن فلانا أنكره وصدقناه باليمين ، فهل يطالب الوكيل بشيء من الصداق ؟ وجهان . أحدهما : لا ; لأن مطالبة الأصل سقطت والضامن فرعه . وأصحهما وهو محكي عن نصه في " الإملاء " : [ ص: 278 ] أنه يطالب بنصف الصداق ; لأن المال ثابت عليهما بزعمه ، فصار كما لو قال : لزيد على عمرو ألف وأنا ضامنه ، فأنكر عمرو ، يجوز لزيد مطالبة الضامن .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        في " فتاوى البغوي " أنه إذا قال الولي للوكيل : لا تزوجها إلا بشرط أن ترهن بالصداق فلانا ، أو يتكفله فلان ، صح وعلى الوكيل الاشتراط . فإن أهمله ، لم يصح النكاح . ولو قال : زوجها بكذا وخذ به كفيلا ، فزوجها بلا شرط ، صح النكاح ; لأنه أمره بأمرين امتثل أحدهما . وإن قال : لا تزوجها إذا لم يتكفل فلان ، ينبغي أن لا يصح التوكيل ; لأن الكفالة تتأخر عن النكاح ، وقد منع العقد إلا بها ، وأنه إذا قال للوكيل : زوجها بألف وجارية ولم يصف الجارية ، فزوجها الوكيل بألف ، لم يصح . ولو قال : زوجها بخمر أو خنزير أو مجهول ، فزوجها بألف درهم ، فإن كان ذلك نقد البلد وقدر مهر المثل ، أو أكثر ، صح النكاح والمسمى ، وإلا فلا .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية