الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
باب الخيار في النكاح ( قال : ) وإذا تزوج الرجل امرأة ، واشترط فيه لأحدهما أو لهما خيار فالنكاح جائز ، والخيار باطل عندنا ، وعند الشافعي رحمه الله تعالى النكاح باطل فمنهم من جعل هذا بناء على مسألة نكاح المكره ، فإن اشتراط الخيار يعدم الرضا كالإكراه ، ومن أصلنا انعدام الرضا بسبب الإكراه لا يمنع صحة النكاح ولزومه ، وعنده يمنع فكذلك اشتراط الخيار ، ولكن هذا البناء على أصله غير صحيح فإن الإكراه عنده يفسد العقد ، والعبارة وخيار الشرط لا يفسد ، ولهذا لم يصحح الطلاق [ ص: 95 ] والعتاق من المكره وصححهما مع اشتراط الخيار ، وحجته في المسألة أن اشتراط الخيار في معنى التوقيت ، ألا ترى أن ما يثبت فيه الخيار ، وهو البيع يتأخر حكم العقد ، وهو الملك إلى ما بعد مضي المدة ويصير العقد في حق ملكه كالمضاف فكذلك هنا باشتراط الخيار يصير النكاح مضافا ، وإضافة النكاح إلى وقت في المستقبل لا يجوز ، والتوقيت في النكاح يمنع صحة النكاح كما لو تزوجها شهرا ، وحجتنا في ذلك قوله صلى الله عليه وسلم { ثلاث جدهن جد وهزلهن جد النكاح والطلاق والعتاق } ، والهزل واشتراط الخيار سواء ; لأن الهازل قاصد إلى مباشرة السبب غير راض بحكمه بل أولى ، فإن الهازل غير راض بالحكم أبدا ، وشارط الخيار غير راض بالحكم في وقت مخصوص فإذا لم يمنع الهزل تمامه ; فاشتراط الخيار أولى .

والمعنى فيه : أنه قد لا يحتمل الفسخ بعد تمامه ، ولا يقبل خيار الشرط ، فاشتراط الخيار فيه لا يمنع تمامه كالطلاق ، والعتاق بمال ; وهذا لأن اشتراط الخيار لا يمنع انعقاد أصل السبب مطلقا ، وإنما يعدم الرضا بلزومه كما في البيع ، ومن ضرورة انعقاد النكاح صحيحا اللزوم فاشتراط الخيار فيه يكون شرطا فاسدا ، والنكاح لا يبطل بالشروط الفاسدة ، ولا تتوقف صحته ولزومه على تمام الرضا ، ألا ترى أن تمام الرضا إنما يكون بعد الرؤية كما في البيع ثم عدم الرؤية لا يمنع صحة النكاح ولزومه ، حتى لا يثبت فيه خيار الرؤية بخلاف الإضافة إلى وقت فإنه يمنع انعقاد السبب في الحال ، ألا ترى أن مثله لا يصح في البيع بخلاف التوقيت ، فإنه يمنع انعقاد السبب فيما وراء الوقت المنصوص عليه ، والنكاح لا يتحمل الانعقاد في وقت دون وقت فلهذا بطل بالتوقيت .

التالي السابق


الخدمات العلمية