الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        صفحة جزء
        المسألة الثانية ردها:

        يكره رد الهدية، وإن قلت مع انتفاء مانع القبول.

        (29 ) لما روى البخاري من طريق أبي حازم، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لو دعيت إلى ذراع أو كراع لأجبت، ولو أهدي إلي ذراع أو كراع لقبلت".

        ويتأكد عدم رد الطيب:

        (30 ) لما روى البخاري من طريق ثمامة بن عبد الله قال: دخلت عليه فناولني طيبا قال: كان أنس رضي الله عنه لا يرد الطيب، قال: "وزعم أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يرد الطيب".

        قال ابن بطال: "إنما كان لا يرد الطيب من أجل أنه ملازم لمناجاة الملائكة، ولذلك كان لا يأكل الثوم ونحوه".

        ورد ابن حجر هذا: "لو كان هذا هو السبب في ذلك لكان من خصائصه، وليس كذلك، فإن أنسا اقتدى به في ذلك، وقد ورد النهي عن رده مقرونا ببيان الحكمة في ذلك".

        فقد روى مسلم من طريق عبد الرحمن الأعرج، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من عرض عليه ريحان فلا يرده، فإنه خفيف المحمل طيب الريح".

        [ ص: 69 ] وأيضا يتأكد عدم رد: الوسائد، والدهن - أي: الطيب، واللبن:

        - فقد روى الترمذي من طريق عبد الله بن مسلم، عن أبيه، عن ابن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثلاث لا ترد: الوسائد، والدهن، واللبن".

        لكن إذا ترتب على قبول الهدية مانع جاز ردها، وقد يجب، فترد في مواضع:

        أولا: إذا ترتب على قبولها محظور شرعي، كالهدية للعمال والقضاة، ونحو ذلك.

        ويدل لذلك:

        (31 ) ما رواه البخاري من طريق عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، عن عبد الله بن عباس، عن الصعب بن جثامة الليثي رضي الله عنه أنه أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم حمارا وحشيا، وهو بالأبواء، أو بودان، فرده عليه، فلما رأى ما في وجهه، قال: "إنا لم نرده عليك إلا أنا حرم".

        قال ابن حجر: "وفيه جواز رد الهدية لعلة، وترجم له المصنف - البخاري - من رد الهدية لعلة، وفيه الاعتذار عن رد الهدية تطييبا لقلب المهدي.

        ثانيا: أنه يجوز ردها مثل أن يريد أخذها بعقد معاوضة:

        (32 ) لما روى مسلم من طريق سالم بن أبي الجعد، عن جابر رضي الله عنه... وفيه: ثم قال لي - رسول الله - صلى الله عليه وسلم: "بعني جملك هذا" قال: قلت: لا، بل [ ص: 70 ] هو لك. قال: "لا، بل بعنيه".

        ثالثا: أو يكون المهدي لا يقنع بالثواب المعتاد; لما في ذلك من المشقة.

        رابعا: أو خشية منة المهدي; لما فيه من المشقة.

        خامسا: أو تكون الهدية بعد السؤال، واستشراف النفس لها.

        لما تقدم من حديث عمر رضي الله عنه، وفيه قوله صلى الله عليه وسلم: "خذه، وما جاءك من هذا المال وأنت غير مشرف ولا سائل فخذه، وما لا فلا تتبعه نفسك".

        التالي السابق


        الخدمات العلمية