الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        صفحة جزء
        المبحث الخامس: أثر الجنون والإغماء قبل القبض على صحة الهبة

        إذا أغمي أو جن الواهب، أو الموهوب له قبل قبض الهبة، فاختلف العلماء رحمهم الله تعالى في أثر ذلك على الهبة على قولين:

        القول الأول: أن الهبة لا تبطل بجنون، أو إغماء الواهب، أو الموهوب له.

        وهو قول جمهور أهل العلم.

        لكن عند المالكية: إن اتصل الجنون والإغماء بموت الواهب بطلت، وإن صح لم تبطل.

        وحجته:

        1 - ما تقدم من الأدلة على صحة عقد الهبة بالإيجاب والقبول، والأصل بقاء الصحة، فلا يصار إلى البطلان إلا بدليل.

        [ ص: 446 ] 2 - القياس على النوم فلا تبطل الهبة بالجنون والإغماء، كما لا تبطل بالنوم.

        3 - أن الهبة قبل القبض عقد جائز، فلا تبطل بالإغماء، كالوكالة.

        القول الثاني: أن الهبة تبطل بالإغماء.

        هذا القول الثاني عند الشافعية.

        وحجته: القياس على الوكالة، فتبطل الهبة بالإغماء قبل القبض كما تبطل الوكالة، بجامع أن كلا منهما عقد جائز.

        ونوقش: بعدم تسليم بطلان الوكالة بالإغماء.

        وعلى فرض تسليم أن الوكالة تبطل بالإغماء، فثمة فرق بين الوكالة والهبة، فإن الهبة تؤول إلى اللزوم فلم تنفسخ بالإغماء، كالبيع الجائز، بخلاف الوكالة.

        الراجح:

        قد يترجح - والله أعلم - هو القول الأول، وهو أن الهبة لا تبطل بجنون، أو إغماء الواهب، أو الموهوب له بعد العقد وقبل القبض; وذلك لقوة أدلة هذا القول، ومقابلة دليل القول الثاني بما أورد عليه من مناقشة.

        [ ص: 447 ]

        التالي السابق


        الخدمات العلمية