الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        صفحة جزء
        المبحث الثاني: الهبة دون شرط العوض

        اختلف أهل العلم في الهبة المطلقة هل تقتضي العوض أو لا؟ على قولين:

        القول الأول: أن الهبة تقتضي العوض مع العرف.

        وهو مذهب المالكية، وهو قول عند الشافعية، وهو اختيار شيخ الإسلام.

        القول الثاني: أن الهبة لا تقتضي العوض مطلقا.

        وبه قال الحنفية، والشافعية في الأظهر عندهم، والحنابلة.

        الأدلة:

        أدلة القول الأول: (اقتضاء العوض مع العرف ) :

        1 - عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: "من وهب هبة لصلة رحم أو على [ ص: 408 ] وجه صدقة فإنه لا يرجع فيها، ومن وهب هبة يرى أنه إنما أراد بها الثواب فهو على هبته يرجع فيها إذا لم يرض منها".

        وجه الاستدلال: أن عمر رضي الله عنه جعل للواهب حق الرجوع ما دام أنه نوى الثواب، ولم يحصل له، فمن باب أولى إذا ادعى ذلك، وشهد له العرف.

        ويمكن أن يناقش: بأن مقتضى قول عمر هو: الإطلاق في كل من نوى الثواب ولو لم يشهد له العرف، وهذا لا يقول به من استدل بالأثر.

        2 - عن عبد الله بن عامر قال: كنت جالسا عند فضالة بن عبيد، فأتاه رجلان يختصمان إليه في باز، فقال أحدهما: وهبت له بازا رجاء أن يثيبني، وقال الآخر: وهب لي بازا وما تعرضت له، وما سألته، فقال فضالة: "اردد إليه هبته، أو أثبه منه، فإنما يرجع في المواهب النساء وشرار الأقوام".

        3 - عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: "المواهب ثلاثة: رجل وهب من غير أن يستوهب، فهي كسبيل الصدقة فليس له أن يرجع في صدقته، ورجل استوهب فوهب فله الثوب، فإن قبل على موهبته فليس له إلا ذلك، وله أن يرجع في هبته ما لم يثب، ورجل وهب واشترط الثواب، فهو دين على صاحبها في حياته وبعد وفاته".

        ويرد عليها من المناقشة ما ورد على أثر عمر رضي الله عنه.

        4 - ما ورد عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: "من وهب هبة لوجه الثواب فلا بأس أن يرد".

        [ ص: 409 ] حجة القول الثاني: (الهبة المطلقة لا تقتضي العوض ) :

        أن الهبة تبرع فلا تقتضي الثواب إلا إذا شرط.

        ونوقش: بأن المعروف عرفا كالمشروط لفظا.

        ثمرة الخلاف:

        تظهر ثمرة الخلاف عند المخاصمة، فلو اختصم المتواهبان، فادعى الواهب إرادة الثواب، وأنكره الموهوب له.

        فالقائلون: بأن الهبة في الأصل لا تقتضي ثوابا لا يقبلون قول الواهب إذا شهد له العرف بذلك.

        وأما إذا لم يشهد العرف والعادة بذلك، فالذي يظهر أن الواهب لا يقبل قوله إلا على وجه ضعيف للشافعية.

        الترجيح:

        الراجح - والله أعلم - أن الهبة تقتضي العوض مع العرف; لقوة ما استدلوا به من آثار الصحابة، وللقاعدة أن المعروف عرفا كالمشروط لفظا.

        فرع:

        "ألحق الماوردي بذلك - أي: عدم اقتضاء الهبة الثواب - سبعة أنواع هبة الأهل والأقارب; لأن القصد الصلة، وهبة العدو; لأن القصد التآلف، وهبة الغني للفقير; لأن المقصود نفعه، والهبة للعلماء والزهاد; لأن القصد القربة والتبرك، وهبة المكلف لغيره لعدم صحة الاعتياض منه، والهبة للأصدقاء.

        [ ص: 410 ] والإخوان; لأن القصد تأكد المودة، والهبة لمن أعان بجاهه أو ماله; لأن المقصود مكافأته".

        [ ص: 411 ]

        التالي السابق


        الخدمات العلمية