. والإيثار أعلى درجات السخاء
وكان ذلك من دأب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى سماه الله تعالى عظيما ، فقال تعالى : وإنك لعلى خلق عظيم وقال سهل بن عبد الله التستري قال موسى عليه السلام : يا رب ، أرني بعض درجات محمد صلى الله عليه وسلم ، وأمته فقال : يا موسى إنك لن تطيق ذلك ، ولكن أريك منزلة من منازله جليلة عظيمة فضلته بها عليك ، وعلى جميع خلقي ، قال فكشف له عن ملكوت السموات ، فنظر إلى منزلة كادت تتلف نفسه من أنوارها ، وقربها من الله تعالى ، فقال يا رب بماذا بلغت به إلى هذه الكرامة ? قال : بخلق اختصصته به من بينهم ، وهو الإيثار يا موسى ، لا يأتيني أحد منهم قد عمل به وقتا من عمره إلا استحييت من محاسبته ، وبوأته من جنتي حيث يشاء وقيل : خرج عبد الله بن جعفر إلى ضيعة له فنزل على نخيل قوم وفيه ، غلام أسود يعمل فيه إذ أتى الغلام بقوته فدخل الحائط كلب ودنا من الغلام فرمى إليه الغلام بقرص ، فأكله ، ثم رمى إليه الثاني ، والثالث ، فأكله ، وعبد الله ينظر إليه فقال : يا غلام ، كم قوتك كل يوم ? قال : ما رأيت ، قال : فلم آثرت به هذا الكلب قال : ما هي بأرض كلاب ; إنه جاء من مسافة بعيدة جائعا ، فكرهت أن أشبع وهو جائع ، قال : فما أنت صانع اليوم ? قال : أطوي يومي هذا فقال ألام : على السخاء ? إن هذا الغلام لأسخى مني ، فاشترى الحائط والغلام ، وما فيه من الآلات ، فأعتق الغلام ، ووهبه منه . عبد الله بن جعفر
وقال رضي الله عنه أهدى إلي رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رأس شاة ، فقال : إن أخي كان أحوج مني إليه فبعث به إليه فلم يزل واحد يبعث به إلى آخر حتى تداوله سبعة أبيات ، ورجع إلى الأول . عمر
وبات كرم الله وجهه على فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم فأوحى الله تعالى إلى علي جبريل ، وميكائيل عليهما السلام : إني آخيت بينكما ، وجعلت عمر أحدكما أطول من عمر الآخر فأيكما يؤثر صاحبه بالحياة فاختارا ؟ كلاهما الحياة ، وأحباها ، فأوحى الله عز وجل إليهما : أفلا كنتما مثل آخيت بينه وبين نبيي علي بن أبي طالب محمد صلى الله عليه وسلم فبات على فراشه يفديه بنفسه ، ويؤثره بالحياة ! اهبطا إلى الأرض فاحفظاه من عدوه فكان جبريل عند رأسه ، وميكائيل عند رجليه ، وجبريل عليه السلام يقول : بخ بخ ، من مثلك يا ابن أبي طالب ، والله تعالى يباهي بك الملائكة ? فأنزل الله تعالى : ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله والله رءوف بالعباد .
وعن أبي الحسن الأنطاكي أنه اجتمع عنده نيف وثلاثون نفسا ، وكانوا في قرية بقرب الري ولهم أرغفة معدودة لم تشبع جميعهم ، فكسروا الرغفان وأطفؤوا السراج ، وجلسوا للطعام فلما رفع ، فإذا الطعام بحاله ، ولم يأكل أحد منه شيئا ؛ إيثارا لصاحبه على نفسه .
وروي أن شعبة جاءه سائل وليس ، عنده شيء ، فنزع خشبة من سقف بيته ، فأعطاه ، ثم اعتذر إليه وقال حذيفة العدوي انطلقت يوم اليرموك أطلب ابن عم لي ومعي شيء من ماء ، وأنا أقول : إن كان به رمق سقيته ، ومسحت به وجهه ، فإذا أنا به ، فقلت : أسقيك ، فأشار إلي أن نعم ، فإذا رجل يقول : آه ، فأشار ابن عمي إلي أن انطلق به إليه ، فجئته ، فإذا هوهشام بن العاص فقلت : أسقيك ، فسمع به آخر ، فقال : آه فأشار هشام انطلق به إليه ، فجئته ، فإذا هو قد مات ، فرجعت إلى هشام فإذا هو قد مات فرجعت إلى ابن عمي ، فإذا هو قد مات رحمة الله عليهم أجمعين .
وقال عباس بن دهقان : ما خرج أحد من الدنيا كما دخلها إلا بشر بن الحرث فإنه . أتاه رجل في مرضه فشكا إليه الحاجة ، فنزع قميصه وأعطاه إياه ، واستعار ثوبا ، فمات فيه
وعن ، بعض الصوفية ، قال : كنا بطرسوس فاجتمعنا جماعة ، وخرجنا إلى باب الجهاد ، فتبعنا كلب من البلد ، فلما بلغنا ظاهر الباب إذا نحن بدابة ميتة ، فصعدنا إلى موضع عال ، وقعدنا .
فلما نظر الكلب إلى الميتة رجع إلى البلد ، ثم عاد بعد ساعة ، ومعه مقدار عشرين كلبا ، فجاء إلى تلك الميتة ، وقعد ناحية ، ووقعت الكلاب في الميتة فما زالت تأكلها ، وذلك الكلب قاعد ينظر إليها حتى أكلت الميتة ، وبقي العظم ، ورجعت الكلاب إلى البلد ، فقام ذلك الكلب .
وجاء إلى تلك العظام ، فأكل مما بقي عليها قليلا ، ثم انصرف .
وقد ذكرنا جملة من أخبار الإيثار ، وأحوال الأولياء في كتاب الفقر والزهد فلا حاجة إلى الإعادة ههنا وبالله التوفيق وعليه التوكل فيما يرضيه عز وجل .