الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
1277 [ 943 ] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه قال: كان الرجل إذا طلق امرأته ثم ارتجعها قبل أن تنقضي عدتها كان ذلك له، وإن طلقها ألف مرة فعمد رجل إلى امرأة له فطلقها ثم أمهلها حتى إذا شارفت انقضاء عدتها ارتجعها ثم طلقها وقال: والله لا آويك إلي ولا تحلين أبدا; فأنزل الله تعالى الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان فاستقبل الناس الطلاق جديدا من يومئذ من كان منهم طلق أو لم يطلق .

التالي السابق


الشرح

أبو الصهباء هو صهيب رجل من أهل البصرة. سمع: عليا، وابن مسعود، وابن عباس.

وروى عنه: سعيد بن جبير، وطاوس، ويحيى بن الجزار.

وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم: أبو الصهباء صهيب الذي يروي عن ابن عباس لا أدري أهو الذي يحدث عن ابن مسعود أم لا ؟

وعكرمة : هو ابن خالد بن العاص بن هشام بن المغيرة بن عبد الله بن [عمر] بن مخزوم المخزومي القرشي.

سمع: ابن عمر، وسعيد بن جبير.

وسمع منه: حنظلة بن أبي سفيان، وابن جريج، وروى عنه: ابن طاوس.

[ ص: 218 ] مات بعد عطاء ومات عطاء سنة خمس عشرة أو أربع عشرة ومائة .

وحديث أبي الصهباء صحيح، رواه مسلم عن محمد بن رافع، وأبو داود عن أحمد بن صالح بروايتهما عن عبد الرزاق عن ابن جريج، عن ابن طاوس.

وظاهر الحديث يخالف قول الجمهور واختلف في وجهه، فقال أبو سليمان الخطابي: ذهب بعضهم إلى أن الأمر كان على ذلك في الصدر الأول ثم نسخ، قال: وهذا لا وجه له; لأن النسخ إنما يكون في زمان النبي - صلى الله عليه وسلم - لا في زمان عمر وقد استقرت الأحكام وانقطع الوحي، ووراءه وجوه من التأويل:

أحدها: حمله على طلاق البتة; وذلك أنهم اختلفوا فيمن قال لامرأته: أنت طالق البتة، فمنهم من قال: هي طلقة واحدة وبه قال الشافعي، ويدل عليه حديث ركانة وقد تقدم في الكتاب، وعن علي رضي الله عنه أنه يقع الثلاث، ويروى هذا عن ابن عمر وسعيد بن المسيب وعروة وعمر بن عبد العزيز والزهري، وكان عمر رضي الله عنه [يرى] وقوع واحد بها ولكنه رأى الناس يتتابعون فيها فألزمهم الثلاث، وهذا كما أن شارب الخمر كان حده أربعين فلما رأى عمر رضي الله عنه استحقارهم عقوبتها بلغها عقوبة المفتري وهي ثمانون جلدة.

والثاني: عن أبي زرعة الرازي أنه قال: معنى هذا الحديث عندي [ ص: 219 ] أن ما تطلقون أنتم ثلاثا كانوا يطلقون واحدة في زمان النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر وعمر رضي الله عنهما .

وهذا لأن الجمع بين الثلاث مكروه أو محرم، فكأن المراد أنهم كانوا يقتصرون على طلقة واحدة وأنتم لا تبالون بالمكروه أو المحرم فتطلقون ثلاثا.

والثالث: عن أبي العباس ابن سريج حمله على ما إذا قال: أنت طالق، أنت طالق، أنت طالق، كانوا في العصر الأول يحلفون على إرادة التوكيد ولا يوقعون إلا طلقة واحدة، ثم إن عمر رضي الله عنه رأى في زمانه أمورا ظهرت وأقوالا تغيرت فلم يعتمد قولهم وألزمهم الثلاث.

والرابع: حمله على ما إذا لم تكن المرأة مدخولا بها، وقد ذهب جماعة إلى أن الرجل إذا طلق امرأته التي لم يدخل بها ثلاثا لم تقع إلا طلقة واحدة، وفي الجماعة: سعيد بن جبير وطاوس وأبو الشعثاء وعمرو بن دينار، فيستمر التأويل على مذهبهم والجمهور حكموا بوقوع الثلاث إذا جمع بينها، ونزلوا الحديث على ما إذا قال: أنت طالق، أنت طالق، أنت طالق، فإنها تبنى بالأول ويلغو ما بعده من الألفاظ، واحتج الشافعي رضي الله عنه على أن ظاهر الحديث متروك بأن راويه وهو ابن عباس قد اشتهر منه الفتوى بوقوع الثلاث مجموعة والظاهر أن الراوي لا يخالف ما رواه، فمن ذلك ما رواه عن مجاهد وسعيد بن [ ص: 220 ] جبير عن ابن عباس، وعن عطاء بن أبي رباح أن رجلا قال لابن عباس: طلقت امرأتي مائة، قال: تأخذ ثلاثا وتدع سبعا وتسعين. وعن عمرو بن دينار أن ابن عباس سئل عن رجل طلق امرأته عدد النجوم، فقال: يكفيك رأس الجوزاء .

ومما يدل على أن الثلاث ليست كالواحدة حديث هشام بن عروة عن أبيه في سبب نزول قوله تعالى: الطلاق مرتان فإمساك بمعروف .

أي: الطلاق الذي يملك فيه الرجعة ثنتان، فإن طلقها ثالثة فلا تحل له حتى تنكح زوجا غيره.

وقوله: "فلا تحلين أبدا" يعني: للأزواج.

والحديث في الرواية المذكورة موقوف على عروة، وروى يعلى بن شبيب المكي، عن هشام، عن أبيه، عن عائشة قالت: كان الرجل يطلق امرأته ما شاء أن يطلقها ويرجع وإن طلقها مائة أو أكثر، فأنزل الله تعالى: الطلاق مرتان فاستأنف الناس الطلاق، من شاء طلق ومن شاء لم يطلق .

والمعنى أنهم عرفوا أن الطلاق الثلاث قاطعة للرجعة، فمن أراد الإبانة طلق ثلاثا، ومن لا فلا.

وقول عروة: فاستقبل الناس الطلاق جديدا يرجع إلى هذا [ ص: 221 ] المعنى، أي: استأنفوا حكم الطلاق لما عرفوا انحصار تجدده، فمن طلق ثلاثا لم يرجع بعده ولم يطلق وأراد الرجعة إذا طلق لم يستوعب العدد.




الخدمات العلمية