الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
509 [ 796 ] أبنا الربيع، أبنا الشافعي، أبنا مالك، عن عبد الله بن أبي بكر، عن عبد الله بن واقد بن عبد الله أنه قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن أكل لحوم الضحايا بعد ثلاث، قال عبد الله بن أبي بكر: فذكرت ذلك لعمرة فقالت: صدق، سمعت عائشة تقول: دف ناس من أهل البادية حضرة الأضحى في زمان رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ادخروا الثلث وتصدقوا بما بقي.

قالت: فلما كان بعد ذلك قيل: يا رسول الله لقد كان الناس ينتفعون من ضحاياهم، يجملون منها الودك، ويتخذون منها الأسقية.

فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: وما ذاك؟

أو كما قال. قالوا: يا رسول الله نهيت عن كل لحوم الضحايا بعد ثلاث.

[ ص: 47 ] فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إنما نهيتكم من أجل الدافة التي دفت حضرة الأضحى، فكلوا وتصدقوا وادخروا" .
.

التالي السابق


الشرح

عبد الله: هو ابن واقد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب.

سمع: عبد الله بن عمر.

وروى عنه: عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، وعمر بن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب .

وحديث أبي الزبير عن جابر أخرجه مسلم عن يحيى بن يحيى عن مالك، وحديث عائشة أخرجه أيضا من رواية روح عن مالك.

وقوله: "دف ناس من أهل البادية" ودفت، الدف: سير ليس بالسريع في جماعة.

وقوله: "حضرة الأضحى" الرواية المشهورة إسكان الضاد ويروى: حضرة الأضحى بفتح الضاد، يقال: كلمته بحضرة فلان وبحضرته، وحضرة الرجل: فناؤه، والمعنى بحضرة الأضحى أو إلى حضرة الأضحى.

وقوله: "يجملون الودك" بفتح الياء وضمها، يقال: جمل الشحم وأجمله إذا أذابه، ويروى: "يجعلون منها الودك" ويروى: "ويحملون" من الحمل.

[ ص: 48 ] والمقصود أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان قد نهى عن أكل لحم الأضحية بعد ثلاث وادخاره، روي في الصحيح عن علي - رضي الله عنه - موقوفا ومن روايته مرفوعا: "لا يأكلن أحدكم من نسكه [بعد] ثلاث " ثم رخص في ذلك على ما بينه حديث جابر.

واشتمل حديث عائشة على بيان سبب النهي وهو إرفاق الدافة، ثم قال الشافعي: يحتمل أن يكون النهي والرخصة راجعين إلى حالين مختلفين، فإذا دفت الدافة ثبت النهي عن الإمساك فوق ثلاث، وإذا لم تكن دافة ثبتت الرخصة، قال: ويشبه أن يكون النهي وإن دفت الدافة على معنى الاختيار لا على سبيل الفرض، وقد روي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: كنا نملح منه ونقدم المدينة فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا تأكلوا منه بعد ثلاثة أيام" وليست بعزيمة، ولكن أراد أن يطعموا منه .

وفي قوله - صلى الله عليه وسلم -: "وما ذاك أو كما قال" ما يشعر باستمرار الرخصة ويبين أن النهي كان على التنزيه.




الخدمات العلمية