الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
اختيار هذا الخط
الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
117 12 \ 104 - وعن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس قال: nindex.php?page=hadith&LINKID=672025دخل [علي] علي بن أبي طالب - وقد أهراق الماء - فدعا بوضوء، فأتيناه بتور فيه ماء حتى وضعناه بين يديه، فقال: يا nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ألا أريك كيف كان يتوضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قلت: بلى، قال nindex.php?page=treesubj&link=9_32095_32220_60_66_67_74_22627_478_498_32587_781_34_44_53_57_32579_70_32542فأصغى الإناء على يده فغسلها، ثم أدخل يده اليمنى فأفرغ بها على الأخرى، ثم غسل كفيه، ثم تمضمض واستنثر، ثم أدخل يديه في الإناء جميعا، فأخذ بهما حفنة من ماء، فضرب بها على وجهه، ثم ألقم إبهاميه ما أقبل من أذنيه، ثم الثانية، ثم الثالثة مثل ذلك، ثم أخذ بكفه اليمنى قبضة من ماء فصبها على ناصيته، فتركها تستن على وجهه، ثم غسل ذراعيه إلى المرفقين ثلاثا ثلاثا، ثم مسح رأسه وظهور أذنيه، ثم أدخل يديه جميعا، فأخذ حفنة من ماء فضرب بها على رجله وفيها النعل، ففتلها بها، ثم الأخرى مثل ذلك، قال: قلت: وفي النعلين؟ قال: وفي النعلين، قال: قلت: وفي النعلين، قال: وفي النعلين، قال: قلت: وفي النعلين، قال: وفي النعلين .
قال ابن القيم رحمه الله: هذا من الأحاديث المشكلة جدا، وقد اختلفت مسالك الناس في دفع إشكاله:
فطائفة ضعفته، منهم nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي، قال: والذي خالفه أكثر [ ص: 87 ] وأثبت منه، وأما الحديث الآخر - يعني هذا - فليس مما يثبت أهل العلم بالحديث لو انفرد.
وفي هذا المسلك نظر; فإن البخاري روى في صحيحه حديث nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله عنهما كما سيأتي، وقال في آخره: nindex.php?page=hadith&LINKID=907329ثم أخذ غرفة من ماء فرش بها على رجله اليمنى حتى غسلها، ثم أخذ غرفة أخرى، فغسل بها - يعني رجله اليسرى - ثم قال: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ .
المسلك الثاني: أن هذا كان في أول الإسلام، ثم نسخ بأحاديث الغسل. وكان nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس أولا يذهب إليه، بدليل ما روى nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني: حدثنا إبراهيم بن حماد، حدثنا العباس بن يزيد، حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=16008سفيان بن عيينة، حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=13371عبد الله بن محمد بن عقيل: أن علي بن الحسين أرسله إلى nindex.php?page=showalam&ids=10718الربيع بنت معوذ، يسألها عن وضوء النبي صلى الله عليه وسلم فذكر الحديث وقالت: nindex.php?page=hadith&LINKID=72085ثم غسل رجليه قالت: وقد أتاني ابن عم لك -تعني nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس- فأخبرته فقال: ما أجد في الكتاب إلا غسلتين ومسحتين . ثم رجع ابن عباس عن هذا لما بلغه غسل النبي صلى الله عليه وسلم رجليه، وأوجب الغسل.
فلعل حديث علي وحديث nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس كانا في أول الأمر ثم نسخ. والذي يدل عليه أن فيه: أنه مسح عليهما بدون حائل كما روى هشام بن [ ص: 88 ] سعد: نا nindex.php?page=showalam&ids=15944زيد بن أسلم، عن nindex.php?page=showalam&ids=16572عطاء بن يسار قال: قال لنا nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس: nindex.php?page=hadith&LINKID=672041nindex.php?page=treesubj&link=9_31000أتحبون أن أحدثكم كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ؟ فذكر الحديث، قال: nindex.php?page=hadith&LINKID=672025ثم اغترف غرفة أخرى فرش على رجله وفيها النعل، واليسرى مثل ذلك، ومسح بأسفل الكعبين . وقال nindex.php?page=showalam&ids=16379عبد العزيز الدراوردي، عن nindex.php?page=showalam&ids=15944زيد بن أسلم، عن nindex.php?page=showalam&ids=16572عطاء بن يسار، عن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس: توضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره قال: nindex.php?page=hadith&LINKID=672025ثم أخذ حفنة من ماء فرش قدميه وهو منتعل .
المسلك الثالث: أن الرواية عن nindex.php?page=showalam&ids=8علي nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس مختلفة، فروي عنهما هذا، وروي عنهما الغسل، كما رواه nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري في الصحيح عن nindex.php?page=showalam&ids=16572عطاء بن يسار عن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس فذكر الحديث، وقال في آخره: nindex.php?page=hadith&LINKID=650137أخذ غرفة من ماء، فرش بها على رجله اليمنى حتى غسلها، ثم أخذ غرفة أخرى فغسل بها رجله يعني اليسرى فهذا صريح في الغسل.
وقال nindex.php?page=showalam&ids=12508أبو بكر بن أبي شيبة: ثنا عبد الله بن إدريس عن nindex.php?page=showalam&ids=17000محمد بن عجلان عن nindex.php?page=showalam&ids=15944زيد بن أسلم عن nindex.php?page=showalam&ids=16572عطاء بن يسار عن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس به، وقال: nindex.php?page=hadith&LINKID=72085ثم غرف غرفة، ثم غسل رجله اليمنى، ثم غرف غرفة فغسل رجله اليسرى .
وقال ورقاء عن زيد عن عطاء عنه: nindex.php?page=hadith&LINKID=681803ألا أريكم وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ [ ص: 89 ] فذكره، وقال فيه nindex.php?page=hadith&LINKID=931246وغسل رجليه مرة مرة .
وقال محمد بن جعفر عن زيد: nindex.php?page=hadith&LINKID=650137وأخذ حفنة فغسل بها رجله اليمنى، وأخذ حفنة فغسل رجله اليسرى .
قالوا: والذي روى أنه رش عليهما في النعل هو: nindex.php?page=showalam&ids=17241هشام بن سعد، وليس بالحافظ، فرواية الجماعة أولى من روايته. على أن nindex.php?page=showalam&ids=16004سفيان الثوري وهشاما أيضا رويا ما يوافق الجماعة، فرويا عن زيد، عن nindex.php?page=showalam&ids=16572عطاء بن يسار قال: nindex.php?page=hadith&LINKID=666340قال لي nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس: ألا أريك وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فتوضأ مرة مرة، ثم غسل رجليه، وعليه نعله .
وأما حديث nindex.php?page=showalam&ids=8علي رضي الله عنه، فقال nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي: روينا من أوجه كثيرة عن علي nindex.php?page=hadith&LINKID=666345أنه غسل رجليه في الوضوء . ثم ساق منها حديث عبد خير عنه "أنه دعا بوضوء" فذكر الحديث وفيه: nindex.php?page=hadith&LINKID=681923ثم صب بيده اليمنى ثلاث مرات على قدمه اليمنى، ثم غسلها بيده اليسرى، ثم قال: هذا طهور نبي الله صلى الله عليه وسلم .
ومنها حديث زر عنه: أنه سئل عن وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فذكر [ ص: 90 ] الحديث، وفيه: nindex.php?page=hadith&LINKID=666375وغسل رجليه ثلاثا ثلاثا .
ومنها: حديث أبي حية عنه: nindex.php?page=hadith&LINKID=662415رأيت nindex.php?page=showalam&ids=8عليا توضأ الحديث، وفيه nindex.php?page=hadith&LINKID=662415وغسل قدميه إلى الكعبين ، ثم قال: nindex.php?page=hadith&LINKID=662415أحببت أن أريكم كيف كان طهور رسول الله صلى الله عليه وسلم .
قالوا: وإذا اختلفت الروايات عن nindex.php?page=showalam&ids=8علي nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس، وكان مع أحدها رواية الجماعة، فهي أولى.
المسلك الرابع: أن أحاديث الرش والمسح إنما هي وضوء تجديد للطاهر، لا طهارة رفع حدث، بدليل ما رواه nindex.php?page=showalam&ids=16102شعبة: حدثنا عبد الملك بن ميسرة قال: سمعت النزال بن سبرة يحدث عن nindex.php?page=showalam&ids=8علي: nindex.php?page=hadith&LINKID=655185أنه صلى الظهر، ثم قعد في حوائج الناس في رحبة الكوفة، حتى حضرت صلاة العصر، ثم أتي بكوز من ماء، فأخذ منه حفنة واحدة، فمسح بها وجهه ويديه ورأسه ورجليه، ثم قام فشرب فضله وهو قائم، ثم قال: وإن أناسا يكرهون الشرب قائما، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم صنع كما صنعت. وقال: هذا وضوء من لم يحدث .
[ ص: 91 ] قال nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي: في هذا الحديث الثابت دلالة على أن الحديث الذي روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في المسح على الرجلين - إن صح - فإنما عنى به: وهو طاهر غير محدث، إلا أن بعض الرواة كأنه اختصر الحديث، فلم ينقل قوله nindex.php?page=hadith&LINKID=72244هذا وضوء من لم يحدث .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد: حدثنا ابن الأشجعي عن أبيه، عن سفيان، عن السدي، عن عبد خير، عن nindex.php?page=showalam&ids=8علي: nindex.php?page=hadith&LINKID=63331أنه دعا بكوز من ماء، ثم قال: ثم توضأ وضوءا خفيفا ومسح على نعليه، ثم قال: هكذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما لم يحدث .
وفي رواية: nindex.php?page=hadith&LINKID=681768للطاهر ما لم يحدث .
قال: وفي هذا دلالة على أن ما روي عن nindex.php?page=showalam&ids=8علي في nindex.php?page=treesubj&link=27154المسح على النعلين إنما هو في وضوء متطوع به، لا في وضوء واجب عليه من حدث يوجب الوضوء، أو أراد غسل الرجلين في النعلين، أو أراد المسح على [ ص: 92 ] جوربيه ونعليه، كما رواه عنه بعض الرواة مقيدا بالجوربين، وأراد به جوربين منعلين.
قلت: هذا هو المسلك الخامس: أن مسحه رجليه ورشه عليهما لأنهما كانا مستورين بالجوربين في النعلين.
والدليل عليه ما رواه سفيان، عن nindex.php?page=showalam&ids=15944زيد بن أسلم، عن nindex.php?page=showalam&ids=16572عطاء بن يسار، عن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس: nindex.php?page=hadith&LINKID=683758أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ مرة مرة، ومسح على نعليه . لكن تفرد به رواد بن الجراح عن nindex.php?page=showalam&ids=16004الثوري، والثقات رووه عن nindex.php?page=showalam&ids=16004الثوري بدون هذه الزيادة.
وقد رواه nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني من حديث زيد بن الحباب، عن سفيان، فذكره بإسناده ومتنه: nindex.php?page=hadith&LINKID=63329أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح على النعلين .
وروى nindex.php?page=showalam&ids=11998أبو داود من حديث هشيم عن يعلى بن عطاء، عن أبيه أخبرني أويس بن أبي أويس الثقفي قال: nindex.php?page=hadith&LINKID=672061رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ ومسح على نعليه وقدميه .
[ ص: 93 ] فقوله: "مسح على نعليه" كقوله: "مسح على خفيه". والنعل لا تكون ساترة لمحل المسح إلا إذا كان عليها جورب، فلعله مسح على نعل الجورب فقال: nindex.php?page=hadith&LINKID=672061مسح على نعليه .
المسلك السادس: أن الرجل لها ثلاثة أحوال:
حال تكون في الخف فيجزي مسح ساترها.
وحال تكون حافية، فيجب غسلها، فهاتان مرتبتان، وهما: كشفها وسترها، ففي حال كشفها لها أعلى مراتب الطهارة، وهي الغسل التام، وفي حال استتارها لها أدناها، وهي المسح على الحائل.
ولها حالة ثالثة، وهي حالما تكون في النعل، وهي حالة متوسطة بين كشفها وبين استتارها بالخف، فأعطيت حالة متوسطة من الطهارة، وهي الرش، فإنه بين الغسل والمسح. وحيث أطلق لفظ "المسح" عليها في هذه الحال فالمراد به الرش؛ لأنه جاء مفسرا في الرواية الأخرى. وهذا مذهب - كما ترى - لو كان يعلم به قائل معين، ولكن يحكى عن طائفة لا أعلم منهم معينا.
وبالجملة فهو خير من مسلك الشيعة في هذا الحديث وهو:
المسلك السابع: أنه دليل على أن فرض الرجلين المسح، وحكي عن داود الجواربي nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس. وحكي عن ابن جرير أنه مخير بين الأمرين، [ ص: 94 ] فأما حكايته عن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس فقد تقدمت، وأما حكايته عن ابن جرير فغلط بين، وهذه كتبه وتفسيره كله يكذب هذا النقل عليه، وإنما دخلت الشبهة لأن ابن جرير القائل بهذه المقالة رجل آخر من الشيعة، يوافقه في اسمه واسم أبيه، وقد رأيت له مؤلفات في أصول مذهب الشيعة وفروعهم.
فهذه سبعة مسالك للناس في هذا الحديث. وبالجملة فالذين رووا وضوء النبي صلى الله عليه وسلم: مثل nindex.php?page=showalam&ids=7عثمان بن عفان، nindex.php?page=showalam&ids=3وأبي هريرة، وعبد الله بن زيد بن عاصم، nindex.php?page=showalam&ids=36وجابر بن عبد الله، nindex.php?page=showalam&ids=19والمغيرة بن شعبة، nindex.php?page=showalam&ids=10718والربيع بنت معوذ، nindex.php?page=showalam&ids=241والمقدام بن معديكرب، nindex.php?page=showalam&ids=33ومعاوية بن أبي سفيان، وجد nindex.php?page=showalam&ids=16258طلحة بن مصرف، nindex.php?page=showalam&ids=9وأنس بن مالك، وأبي أمامة الباهلي، وغيرهم لم يذكر أحد منهم ما ذكر في حديث nindex.php?page=showalam&ids=8علي nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس، مع الاختلاف المذكور عليهما. والله أعلم.