الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                              صفحة جزء
                                                              فصل

                                                              الحكم الثالث: قوله: «تحليلها التسليم»، والكلام في إفادته الحصر كالكلام في الجملتين قبله.

                                                              والكلام [في هذا اللفظ ودلالته] على شيئين: أحدهما: أنه لا ينصرف [ ص: 30 ] من الصلاة إلا بالتسليم. وهذا قول جمهور العلماء. وقال أبو حنيفة: لا يتعين التسليم، بل يخرج منها بالمنافي لها، من حدث، أو عمل مبطل ونحوه.

                                                              رواه أحمد وأبو داود. وبأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعلمه المسيء في صلاته، ولو كان فرضا لعلمه إياه، وبأنه ليس من الصلاة، فإنه ينافيها، ويخرج به منها، ولهذا لو أتى به في أثنائها أبطلها، وإذا لم يكن منها، علم أنه شرع منافيا لها، والمنافي لا يتعين. هذا غاية ما يحتج له به.

                                                              والجمهور أجابوا عن هذه الحجج:

                                                              أما حديث ابن مسعود: فقال الدارقطني والخطيب والبيهقي وأكثر الحفاظ: الصحيح أن قوله: إذا قلت هذا فقد قضيت صلاتك من كلام ابن مسعود، فصله شبابة عن زهير، وجعله من كلام ابن مسعود، وقوله أشبه [ ص: 31 ] بالصواب ممن أدرجه، وقد اتفق من روى تشهد ابن مسعود على حذفه.

                                                              وأما كون النبي صلى الله عليه وسلم لم يعلمه المسيء في صلاته، فما أكثر ما يحتج بهذه الحجة على عدم واجبات في الصلاة، ولا تدل، لأن المسيء لم يسئ في كل جزء من الصلاة، فلعله لم يسئ في السلام، بل هذا هو الظاهر، فإنهم لم يكونوا يعرفون الخروج منها إلا بالسلام.

                                                              وأيضا فلو قدر أنه أساء فيه لكان غاية ما يدل عليه تركه التعليم استصحاب براءة الذمة من الوجوب، فكيف يقدم على الأدلة الناقلة لحكم الاستصحاب؟.

                                                              وأيضا فأنتم لم توجبوا في الصلاة كل ما أمر به المسئ، فكيف تحتجون بترك أمره على عدم الوجوب؟ ودلالة الأمر على الوجوب أقوى من دلالة تركه على نفي الوجوب، فإنه قال إذا قمت إلى الصلاة فكبر ولم توجبوا التكبير، وقال ثم اركع حتى تطمئن راكعا وقلتم: لو ترك الطمأنينة لم تبطل صلاته وإن كان مسيئا.

                                                              وأما قولكم: إنه ليس من الصلاة، فإنه ينافيها ويخرج منها به.

                                                              فجوابه: أن السلام من تمامها، وهو نهايتها، ونهاية الشيء منه ليس خارجا عن حقيقته، ولهذا أضيف إليها إضافة الجزء، بخلاف مفتاحها، فإن إضافته إضافة مغاير، بخلاف تحليلها، فإنه يقتضي أنه لا يتحلل منها إلا به.

                                                              وأما بطلان الصلاة إذا فعله في أثنائها; فلأنه قطع لها قبل إتمامها، وإتيان بنهايتها قبل فراغها، فلذلك أبطلها، فالتسليم آخرها وخاتمها، كما في [ ص: 32 ] حديث أبي حميد ويختم صلاته بالتسليم فنسبة التسليم إلى آخرها كنسبة تكبيرة الإحرام إلى أولها فقول: "الله أكبر" أول أجزائها، وقول "السلام عليكم" آخر أجزائها.

                                                              ثم لو سلم أنه ليس جزءا منها، فإنه تحليل لها لا يخرج منها إلا به، وذلك لا ينفي وجوبه، كتحللات الحج، فكونه تحليلا لا يمنع الإيجاب.

                                                              فإن قيل: ولا يقتضي، قيل: إذا ثبت انحصار التحليل في التسليم تعين الإتيان به، وقد تقدم بيان الحصر من وجهين.

                                                              التالي السابق


                                                              الخدمات العلمية