الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                              صفحة جزء
                                                              1806 109 \ 1732 - وعن حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت : يا رسول الله، ما شأن الناس قد حلوا ولم تحلل أنت من عمرتك؟ فقال : إني لبدت رأسي، وقلدت هديي، فلا أحل حتى أنحر .

                                                              وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه .

                                                              وقد تقدم أن المراد بالعمرة ههنا الحج. وقد روي: حلوا فلم تحلل من حجك .

                                                              واختلف في قولها هذا، فقيل: قالت ذلك لأنها ظنت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان فسخ حجه بعمرة كما أمر بذلك من لا هدي معه، فذكر صلى الله عليه وسلم لها العلة، وهي سوقه الهدي. وقيل: معناه ما شأن الناس حلوا من إحرامهم ولم تحل أنت من إحرامك الذي ابتدأته معهم بنية واحدة، بدليل قوله: لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي ولجعلتها عمرة ، فعلم بهذا أنه لم يحرم بعمرة. وقيل: معناه: لم لم [ ص: 327 ] تحلل من حجك بعمرة كما أمرت أصحابك؟ وقد تأتي "من " بمعنى "الباء" كما قال تعالى: يحفظونه من أمر الله أي: بأمر الله، يريد ولم تحل أنت بعمرة من إحرامك الذي جئت به مفردا في حجتك .

                                                              التالي السابق




                                                              قال ابن القيم رحمه الله: وقالت طائفة: هذه اللفظة غير محفوظة، فإن عبيد الله بن عمر لم يذكرها في حديثه، حكاهما ابن حزم. وقالت طائفة: هي مروية بالمعنى، والحديث ولم تحل أنت من حجك ، فأبدل لفظ الحج بالعمرة.

                                                              وقالت طائفة: الحديث إنما فيه إقراره لها على أنه في عمرة، وليس فيه أنها عمرة مفردة لا حجة معها. وقد أخبر عن نفسه بأنه قرن، فهو إذن في حج وعمرة ومن كان في حج وعمرة فهو في عمرة قطعا.

                                                              وهذه الوجوه بعضها واه وبعضها مقارب. فقول من قال: المراد به من حجتك - بعيد جدا، إذ لا يعبر بالعمرة عن الحج، وليس هذا عرف الشرع، ولا يطلق ذلك إلا إطلاقا مقيدا، فقال: هي الحج الأصغر.

                                                              [ ص: 328 ] وقول من قال: إنها ظنت أنه صلى الله عليه وسلم كان فسخ العمرة، كما أمر أصحابه، ولم يحل كما أحلوا - فبعيد جدا، فإن هذا الظن إنما كان يظهر بإحلاله، فبه يكون معتمرا، فكيف تظن أنه قد فسخ بعمرة، وهي تراه لم يحل ؟

                                                              وأما قول من قال: معناه لم تحل بعمرة، و "من" بمعنى الباء - فتعسف ظاهر، وإضافة العمرة إليه تدل على أنها عمرة مختصة به هو فيها.

                                                              وأما قول من قال: معناه لم تحلل من العمرة التي أمرت الناس بها ففاسد، فإنه كيف يحل من عمرة غيره ؟ وحفصة أجل من أن تسأل هذا السؤال.

                                                              وأما قول من قال: إن هذه اللفظة غير محفوظة، ولم يذكرها عبيد الله - فخطأ من وجهين: أحدهما: أن مالكا قد ذكرها، ومالك مالك. والثاني: أن عبيد الله نفسه قد ذكرها أيضا، ذكره مسلم في "الصحيح" عن محمد بن المثنى، حدثنا يحيى بن سعيد، عن عبيد الله، فذكر الحديث، وفيه: ولم تحل من عمرتك .

                                                              وقول من قال مروية بالمعنى - بعيد أيضا.

                                                              فالوجه الأخير أقربها إلى الصواب؛ وهو أنه ليس فيه إلا الإخبار عن [ ص: 329 ] كونه في عمرة، وهذا لا ينفي أن يكون في حجة.

                                                              وأجود منه أن يقال: المراد بالعمرة المتعة، وقد تقدم أن التمتع يراد به القران، والعمرة تطلق على التمتع، فيكون المراد لم تحل من قرانك وسمته عمرة، كما يسمى تمتعا، وهذه لغة الصحابة كما تقدم، والله أعلم.




                                                              الخدمات العلمية