الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                              صفحة جزء
                                                              1647 5 - باب في الاستعفاف

                                                              89 \ 1582 - وعن ابن الساعدي قال: استعملني عمر على الصدقة، فلما فرغت منها وأديتها إليه، أمر لي بعمالة، فقلت: إنما عملت لله، وأجري على الله، قال: خذ ما أعطيت، فإني قد عملت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فعملني، فقلت مثل قولك، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا أعطيت شيئا من غير أن تسأله فكل وتصدق .

                                                              [ ص: 272 ] وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي بنحوه. ورواه الزهري، عن السائب بن يزيد، عن حويطب بن عبد العزى، عن عبد الله بن السعدي، عن عمر، فاجتمع في إسناده أربعة من الصحابة، وهو من الأحاديث التي جاءت كذلك. ووقع في حديث الليث بن سعد: "ابن الساعدي" كما قدمناه، وهو عبد الله بن السعدي، ولم يكن سعديا، وإنما قيل لأبيه: السعدي، لأنه كان مسترضعا في بني سعد بن بكر، وهو قرشي عامري مالكي، من بني مالك بن حسل، واسم السعدي: عمرو بن وقدان، وقيل: قدامة بن وقدان. وأما الساعدي: فنسبة إلى بني ساعدة من الأنصار، من الخزرج، ولا وجه له ههنا، إلا أن يكون له نزول أو حلف أو خؤولة، أو غير ذلك.

                                                              وقوله: "فعملني" بفتح العين المهملة، وتشديد الميم وفتحها، أي: جعل لي العمالة، وهي أجرة العمل. وفيه جواز أخذ الأجرة على أعمال المسلمين وولاياتهم الدينية والدنيوية، قيل: وليس معنى الحديث في الصدقات، وإنما هو في الأموال التي يقسمها الإمام على أغنياء الناس وفقرائهم، واستشهد بقوله في بعض طرقه "يتموله"، وقال: الفقير لا ينبغي أن يأخذ من الصدقة ما يتخذه مالا، كان عن مسألة أو عن غير مسألة .

                                                              واختلف العلماء فيما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم عمر من ذلك، بعد إجماعهم على أنه [ ص: 273 ] أمر ندب وإرشاد، فقيل: هو ندب من النبي صلى الله عليه وسلم لكل من أعطي عطية، كانت من سلطان أو عامي، صالحا كان أو فاسقا، بعد أن يكون ممن تجوز عطيته، حكى ذلك غير واحد، وقيل: ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم ندب إلى قبول عطية من غير السلطان، فأما السلطان، فبعضهم منعها، وبعضهم كرهها، وقال آخرون: ذلك ندب لقبول هدية السلطان دون غيره، ورجح بعضهم الأول بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يخص وجها من الوجوه. تم كلامه.

                                                              التالي السابق




                                                              قال ابن القيم رحمه الله: وسياق الحديث إنما يدل على عطية العامل على الصدقة، فإنه يجوز له أخذ عمالته وتمولها، وإن كان غنيا، والحديث إنما سيق لذلك، وعليه خرج جواب النبي صلى الله عليه وسلم، وليس المراد به العموم في كل عطية من كل معط، والله أعلم.




                                                              الخدمات العلمية