الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                              صفحة جزء
                                                              182 15 - باب الرخصة في ذلك

                                                              24 \ 171 - عن قيس بن طلق، عن أبيه قال: قدمنا على نبي الله صلى الله عليه وسلم فجاء [ ص: 124 ] رجل كأنه بدوي، فقال: يا نبي الله، ما ترى في مس الرجل ذكره بعدما يتوضأ فقال: هل هو إلا مضغة منه، أو قال: بضعة منه! .

                                                              وأخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه. وفي لفظ النسائي ورواية لأبي داود: "في الصلاة" . قال الإمام الشافعي رضي الله عنه: قد سألنا عن قيس، فلم نجد من يعرفه بما يكون لنا قبول خبره، وقد عارضه من وصفنا نعته ورجاحته في الحديث وثبته.

                                                              وقال يحيى بن معين: لقد أكثر الناس في قيس بن طلق، وأنه لا يحتج بحديثه.

                                                              وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم: سألت أبي وأبا زرعة عن هذا الحديث؟ فقالا: قيس بن طلق ليس ممن يقوم به حجة، ووهناه، ولم يثبتاه.

                                                              التالي السابق




                                                              قال ابن القيم رحمه الله: نقض الوضوء من مس الذكر: فيه حديث بسرة، قال الدارقطني: قد صح سماع عروة من بسرة هذا الحديث، وبسرة هذه من الصحابيات الفضل.

                                                              قال مالك: أتدرون من بسرة بنت صفوان؟ هي جدة عبد الملك بن مروان أم أمه، فاعرفوها.

                                                              وقال مصعب الزبيري: هي بنت صفوان بن نوفل، من المبايعات، وورقة بن نوفل عمها.

                                                              [ ص: 125 ] وقد ظلم من تكلم في بسرة وتعدى.

                                                              وفي "الموطأ" في حديثها من رواية ابن بكير: إذا مس أحدكم ذكره فليتوضأ وضوءه للصلاة .

                                                              وفيه حديث أبي هريرة يرفعه: إذا أفضى أحدكم بيده إلى ذكره، ليس بينه وبينها شيء فليتوضأ رواه الشافعي عن سلمان بن عمرو، ومحمد بن عبد الله، عن يزيد بن عبد الله الهاشمي، عن سعيد بن أبي سعيد، عن أبي هريرة.

                                                              قال ابن السكن: هذا الحديث من أجود ما روي في هذا الباب.

                                                              قال ابن عبد البر: كان حديث أبي هريرة لا يعرف إلا بيزيد بن عبد الملك النوفلي عن سعيد، عن أبي هريرة - ويزيد ضعيف - حتى رواه أصبغ بن الفرج، عن ابن القاسم، عن نافع بن أبي نعيم ويزيد بن عبد الملك جميعا، عن سعيد، عن أبي هريرة. قال فصح الحديث بنقل العدل عن العدل على ما قال ابن السكن، إلا أن أحمد بن حنبل كان لا يرضى نافع بن [ ص: 126 ] أبي نعيم، وخالفه ابن معين فقال: هو ثقة.

                                                              قال الحازمي: "وقد روي عن نافع بن عمر الجمحي، عن سعيد، كما رواه يزيد، وإذا اجتمعت هذه الطرق دلتنا على أن له أصلا من رواية أبي هريرة".

                                                              وفي الباب حديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده يرفعه: أيما رجل مس فرجه فليتوضأ، وأيما امرأة مست فرجها فلتتوضأ .

                                                              قال الحازمي: "هذا إسناد صحيح؛ لأن إسحاق بن راهويه رواه في "مسنده": نا بقية بن الوليد، حدثني الزبيدي، حدثني عمرو - فذكره.

                                                              وبقية ثقة في نفسه، وإذا روى عن المعروفين فمحتج به، وقد احتج به مسلم ومن بعده من أصحاب الصحيح.

                                                              والزبيدي - محمد بن الوليد - إمام محتج به. وعمرو بن شعيب ثقة باتفاق أئمة الحديث. قال: وإذا روى عن غير أبيه لم يختلف أحد في الاحتجاج به، وأما روايته عن أبيه، عن جده، فالأكثرون على أنها متصلة، ليس فيها إرسال ولا انقطاع.

                                                              [ ص: 127 ] وذكر الترمذي في كتاب "العلل" له، عن البخاري أنه قال: "حديث عبد الله بن عمرو في هذا الباب - في باب مس الذكر - هو عندي صحيح".

                                                              قال الحازمي: "وقد روي هذا الحديث من غير وجه عن عمرو بن شعيب، فلا يظن أنه من مفاريد بقية".

                                                              وأما حديث طلق فقد رجح حديث بسرة وغيره عليه من وجوه:

                                                              أحدها ضعفه.

                                                              والثاني: أن طلقا قد اختلف عنه، فروى عنه هل هو إلا بضعة منك ؟ . وروى أيوب بن عتبة، عن قيس بن طلق، عن أبيه مرفوعا من مس فرجه فليتوضأ . رواه الطبراني، وقال: "لم يروه عن أيوب بن عتبة إلا حماد بن محمد، وهما عندي صحيحان، يشبه أن يكون سمع الحديث الأول من النبي صلى الله عليه وسلم قبل هذا، ثم سمع هذا بعد، فوافق حديث بسرة، وأم حبيبة، وأبي هريرة، وزيد بن خالد الجهني، وغيرهم; فسمع الناسخ والمنسوخ.

                                                              [ ص: 128 ] الثالث: أن حديث طلق لو صح لكان حديث أبي هريرة ومن معه مقدما عليه; لأن طلقا قدم المدينة وهم يبنون المسجد، فذكر الحديث، وفيه قصة مس الذكر. وأبو هريرة أسلم عام خيبر، بعد ذلك بست سنين، وإنما يؤخذ بالأحدث فالأحدث من أمره صلى الله عليه وسلم.

                                                              الرابع: أن حديث طلق مبق على الأصل، وحديث بسرة ناقل، والناقل مقدم؛ لأن أحكام الشارع ناقلة عما كانوا عليه.

                                                              الخامس: أن رواة النقض أكثر، وأحاديثه أشهر، فإنه من رواية بسرة، وأم حبيبة، وأبي هريرة، وأبي أيوب، وزيد بن خالد.

                                                              [ ص: 129 ] السادس: أنه قد ثبت الفرق بين الذكر وسائر الجسد في النظر والمس، فثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه نهى أن يمس الرجل ذكره بيمينه ، فدل أن الذكر لا يشبه سائر الجسد، ولهذا صان اليمين عن مسه، فدل على أنه ليس بمنزلة الأنف، والفخذ والرجل، فلو كان كما قال المانعون: إنه بمنزلة الإبهام واليد والرجل، لم ينه عن مسه باليمين. والله أعلم.

                                                              السابع: أنه لو قدر تعارض الحديثين من كل وجه لكان الترجيح لحديث النقض، لقول أكثر الصحابة، منهم: عمر بن الخطاب، وابنه، وأبو أيوب الأنصاري، وزيد بن خالد، وأبو هريرة، وعبد الله بن عمرو، وجابر، وعائشة، وأم حبيبة، وبسرة بنت صفوان. وعن سعد بن أبي وقاص روايتان، وعن ابن عباس رضي الله عنهما روايتان.




                                                              الخدمات العلمية