الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
حدثنا الحسن بن صباح، حدثنا معبد أبو عبد الرحمن الكوفي، نزل بغداد، حدثنا معاوية بن عمار، قال: سألت جعفر بن محمد، عن القرآن فقال: "ليس بخالق ولا مخلوق".

وقال أبو عبد الله: "احتج هؤلاء - يعني الجهمية - بآيات، وليس فيما احتجوا به أشد التباسا من ثلاث آيات، قوله: ( وخلق كل شيء فقدره تقديرا ) ، فقالوا: إن قلتم: إن القرآن لا شيء كفرتم، وإن قلتم: إن القرآن شيء فهو داخل في الآية، والثانية قوله: ( إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله، وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه ) ، قالوا: فأنتم قلتم بقول النصارى لأن المسيح كلمة الله، وهو خلق فقلتم إن كلام الله ليس بمخلوق، وعيسى من كلام الله، والثالثة: ( ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث ) ، وقلتم ليس بمحدث".

قال أبو عبيدة: "أما قوله: ( وخلق كل شيء ) ، فهو كما قال، وقال في آية أخرى: ( إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون ) ، فأخبر أن أول خلق خلقه بقوله، وأول خلق هو من الشيء الذي قال: ( وخلق كل شيء ) ، [ ص: 45 ] فأخبر أن كلامه قبل الخلق، وأما تحريفهم: ( إنما المسيح عيسى ابن مريم، ) فلو كان كما قالوا لكان ينبغي أن يكون بين الدفتين: ( وكلمته ألقاها إلى مريم ) لأن عيسى مذكر، والكلمة مؤنثة لا اختلاف بين العرب في ذلك، وإنما خلق الله عيسى بالكلمة لا أنه الكلمة، ألا تسمع إلى قوله: ( وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه ) يعني جبريل عليه السلام، كما قال في آية أخرى: ( فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها بشرا سويا ) .

وقال: ( إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون ) فخلق عيسى وآدم بقوله: "كن"، وليس بين هاتين الآيتين خلاف، وأما تحريفهم: ( من ذكر من ربهم محدث ) ، فإنما حدث عند النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه لما علمه الله ما لم يكن يعلم.

وقال أبو عبد الله: "والقرآن كلام الله غير مخلوق، لقول الله عز وجل: ( إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يغشي الليل النهار يطلبه حثيثا والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره ) .

فبين أن الخلائق والطلب، والحثيث، والمسخرات بأمره، شرح، فقال: ( ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين ) ".

قال ابن عيينة: "قد بين الله الخلق من الأمر بقوله: ( ألا له الخلق والأمر ) ، فالخلق بأمره كقوله: ( لله الأمر من قبل ومن بعد ) .

وكقوله: ( إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون ) .

وكقوله: ( ومن آياته أن تقوم السماء والأرض بأمره ) ، ولم يقل بخلقه".

التالي السابق


الخدمات العلمية