الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
حدثنا محمد بن عبد الله أبو جعفر البغدادي، قال: سمعت أبا زكريا يحيى بن يوسف الزمي، قال: كنا عند عبد الله بن إدريس، فجاءه رجل فقال: يا أبا محمد، ما تقول في قوم يقولون: القرآن مخلوق؟ فقال: "أمن اليهود؟" قال: لا، قال: "فمن النصارى؟" قال: لا، قال: "فمن المجوس؟" قال: لا، قال: "فممن؟" قال: من أهل التوحيد. قال: "ليس هؤلاء من أهل التوحيد، هؤلاء الزنادقة. من زعم أن القرآن مخلوق فقد زعم أن الله مخلوق، يقول الله: ( بسم الله الرحمن الرحيم ) .

فالله لا يكون مخلوقا، والرحمن لا يكون مخلوقا، والرحيم لا يكون مخلوقا، وهذا أصل الزنادقة. من قال هذا فعليه لعنة الله، لا تجالسوهم ولا تناكحوهم.

وقال وهب بن جرير: "الجهمية الزنادقة إنما يريدون أنه ليس على العرش استوى.

وحلف يزيد بن هارون بالله الذي لا إله إلا هو، من قال إن القرآن مخلوق فهو زنديق، ويستتاب فإن تاب وإلا قتل.

وقيل لأبي بكر بن عياش، إن قوما ببغداد يقولون: إنه مخلوق، فقال: ويلك من قال هذا؟ على من قال القرآن مخلوق لعنة الله، وهو كافر زنديق، ولا تجالسوهم.

[ ص: 31 ] وقال الثوري: "من قال القرآن مخلوق فهو كافر".

وقال حماد بن زيد: "القرآن كلام الله نزل به جبرائيل، ما يجادلون إلا أنه ليس في السماء إله".

وقال ابن مقاتل: سمعت ابن المبارك يقول: من قال: ( إنني أنا الله لا إله إلا أنا ) مخلوق فهو كافر. ولا ينبغي لمخلوق أن يقول ذلك، وقال أيضا:".


فلا أقول بقول الجهم إن له قولا يضارع قول الشرك أحيانا     ولا أقول تخلى من بريته
رب العباد وولى الأمر شيطانا     ما قال فرعون هذا في تجبره
فرعون موسى ولا فرعون هامانا



وقال ابن المبارك: "لا نقول كما قالت الجهمية إنه في الأرض ههنا، بل على العرش استوى"، وقيل له: كيف تعرف ربنا؟ قال: "فوق سماواته على عرشه"، وقال لرجل منهم: "أتظنك خاليا منه؟" فبهت الآخر" وقال: "من قال لا إله إلا هو مخلوق، فهو كافر، وإنا لنحكي كلام اليهود والنصارى، ولا نستطيع أن نحكي كلام الجهمية".

وقال معاوية بن عمار: سمعت جعفر بن محمد، يقول: "القرآن كلام الله وليس بمخلوق".

وقال سعيد بن عامر: "الجهمية أشر قولا من اليهود والنصارى، قد اجتمعت اليهود والنصارى، وأهل الأديان أن الله تبارك وتعالى على العرش، وقالوا هم: ليس على العرش شيء".

وقال ضمرة: عن ابن شوذب: "ترك الجهم الصلاة أربعين يوما على وجه الشك، فخاصمه بعض السمنية، فشك فأقام أربعين يوما لا يصلي. قال ضمرة: وقد رآه ابن شوذب.

[ ص: 32 ] وقال عبد العزيز بن أبي سلمة: "إن كلام جهم صنعة بلا معنى، وبناء بلا أساس، ولم يعد قط من أهل العلم".

ولقد سئل جهم عن رجل طلق امرأته قبل أن يدخل بها فقال: عليها العدة. فخالف كتاب الله بجهله. وقال الله سبحانه: ( فما لكم عليهن من عدة تعتدونها ) .

وقال علي: "إن الذين قالوا إن لله ولدا أكفر من الذين قالوا: إن الله لا يتكلم.وقال: احذر من المريسي وأصحابه، فإن كلامهم يستجلب الزندقة، وأنا كلمت أستاذهم جهما فلم يثبت لي أن في السماء إلها.

وكان إسماعيل بن أبي أويس يسميهم زنادقة العراق، وقيل له: "سمعت أحدا يقول: القرآن مخلوق، فقال: هؤلاء الزنادقة والله، لقد فررت إلى اليمن حين سمعت العباس يكلم بهذا ببغداد فرارا من هذا الكلام".

وقال علي بن الحسن: سمعت ابن مصعب، يقول: "كفرت الجهمية في غير موضع من كتاب الله، قولهم: إن الجنة تفنى، وقال الله: ( إن هذا لرزقنا ما له من نفاد ) ، فمن قال إنها تنفد فقد كفر، وقال: ( أكلها دائم وظلها ) ، فمن قال إنها لا تدوم فقد كفر، وقال: ( لا مقطوعة ولا ممنوعة ) ، فمن قال إنها تنقطع فقد كفر، وقال: ( عطاء غير مجذوذ ) ، فمن قال إنها تنقطع فقد كفر، وقال: أبلغوا الجهمية أنهم كفار، وأن نساءهم طوالق".

وقال ابن المبارك، عن عمر، عن قتادة: ( وكلمته ألقاها إلى مريم ) قال: "هو قوله: ( كن ) فكان".

وقال ابن معدان، سألت الثوري: ( وهو معكم أين ما كنتم ) ، قال: "علمه".

[ ص: 33 ] .

وقال أبو الوليد: سمعت يحيى بن سعيد، يقول، وذكر له أن قوما يقولون: القرآن مخلوق، فقال: "كيف تصنعون بـ: ( قل هو الله أحد ) ؟ كيف تصنعون بقوله: ( إنني أنا الله لا إله إلا أنا ) ؟".

وقال عفان: "من قال: ( قل هو الله أحد ) مخلوق، فهو كافر".

وقال علي بن عبد الله: "القرآن كلام الله، من قال إنه مخلوق فهو كافر، لا يصلى خلفه".

قال وكيع: "من كذب بحديث إسماعيل عن قيس عن جرير عن النبي صلى الله عليه وسلم في الرؤية، فهو جهمي فاحذروه".

وقال أبو الوليد: "من قال: القرآن مخلوق، فهو كافر، ومن لم يعقد قلبه على أن القرآن ليس بمخلوق فهو خارج من الإسلام".

قال أبو عبد الله: "نظرت في كلام اليهود والنصارى والمجوس، فما رأيت أضل في كفرهم منهم، وإني لأستجهل من لا يكفرهم إلا من لا يعرف كفرهم".

وقال عبد الرحمن بن عفان، ذكر أمام سفيان بن عيينة في السنة التي ضرب فيها المريسي، فقام ابن عيينة من مجلسه مغضبا فقال: "ويحكم، القرآن كلام الله، قد صحبت الناس وأدركتهم، هذا عمرو بن دينار، وهذا ابن المنكدر، حتى ذكروا منصورا، والأعمش، ومسعر بن كدام، فقال ابن عيينة: قد تكلموا في الاعتزال والرفض والقدر، وأمروا باجتناب القوم، فما نعرف القرآن إلا كلام الله، ومن قال غير هذا فعليه لعنة الله. ما أشبه هذا القول بقول النصارى، ولا تجالسوهم ولا تسمعوا كلامهم".

وقال عبد الله بن محمد: سمعت ابن عيينة وذكر المريسي فقال: "ما تقول الدويبة؟ ما تقول الدويبة؟" استهزاء به. قال: وسمعت محمد بن عبيد يقول: "جاء ذاك الخبيث فسألني عن حديث، ولو عرفته ما حدثته".

وقال الحميدي: حدثنا حصين، عن مسلم بن صبيح، عن شتير بن شكل، عن عبد الله رضي الله عنه، قال: "ما خلق الله من أرض ولا سماء، ولا جنة ولا نار أعظم من: ( الله لا إله إلا هو الحي القيوم ) ". [ ص: 34 ]

قال سفيان، في تفسيره: "إن كل شيء مخلوق، والقرآن ليس بمخلوق، وكلامه أعظم من خلقه، لأنه يقول للشيء: كن، فيكون، فلا يكون شيء أعظم مما يكون به الخلق، والقرآن كلام الله".

وقال زهير السجستاني: سمعت سلام بن أبي مطيع، يقول: "الجهمية كفار".

وقال عبد الحميد: "جهم كافر بالله العظيم".

وقال وكيع: "أحدثوا هؤلاء المرجئة الجهمية، والجهمية كفار، والمريسي جهمي، وعلمتم كيف كفروا، قالوا: يكفيك المعرفة، وهذا كفر، والمرجئة يقولون: الإيمان قول بلا فعل، وهذا بدعة، فمن قال: القرآن مخلوق فهو كافر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم، يستتاب وإلا ضربت عنقه".

وقال وكيع: "على المريسي لعنة الله، يهودي أو نصراني. قال له رجل: كان أبوه أو جده يهوديا أو نصرانيا؟ قال وكيع: عليه وعلى أصحابه لعنة الله، القرآن كلام الله. وضرب وكيع إحدى يديه على الأخرى، وقال: سيئ ببغداد يقال له المريسي يستتاب، فإن تاب وإلا ضربت عنقه.

وقال يزيد بن هارون: "لقد حرضت أهل بغداد على قتله جهدي، ولقد أخبرت من كلامه بشيء مرة وجدت وجعه في صلبي بعد ثلاث".

قال علي بن عبد الله: "إنما كانت غايته أن يدخل الناس في كفره".

وقال عبيد الله بن عائشة: "لا تصل خلف من قال القرآن مخلوق، ولا كرامة له، فإن صلى وكبر كيما يحتاط لنفسه فذاك، ويجتنبه أحب إلي، ولأنهم يقولون: شيء لا شيء، يقولون: الله لا شيء".

وقال سليمان بن داود الهاشمي، وسهل بن مزاحم: "من صلى خلف من يقول القرآن مخلوق أعاد صلاته".

وقال ابن الأسود: سمعت ابن مهدي، يقول ليحيى بن سعيد: "لو أن جهميا بيني وبينه [ ص: 35 ] قرابة ما استحللت من ميراثه شيئا". وقال ابن مهدي: "ولو رأيت رجلا على الجسر وبيدي سيف، يقول القرآن مخلوق، لضربت عنقه".

وقال يزيد بن هارون: " المريسي أحقر من أتاني".

قال أبو عبد الله: "ما أبالي صليت خلف الجهمي الرافضي أم صليت خلف اليهود والنصارى، ولا يسلم عليهم، ولا يعادون، ولا يناكحون، ولا يشهدون، ولا تؤكل ذبائحهم".

وقال عبد الرحمن بن مهدي: هما ملتان: "الجهمية، والرافضية".

وقيل لابن عبيد: إن المريسي سئل عن ابتداء خلق الأشياء عن قول الله عز وجل: ( إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون ) ، فقال: كله كلام صلة. فمعنى قوله: أن يقول صلة، كقوله قالت السماء فأمطرت، وكقوله: قال الجدار فمال، قال: قال الله تعالى: ( جدارا يريد أن ينقض فأقامه ) ، والجدار لا إرادة له، فمعنى قوله: إذا أردناه كوناه فكان، لم يكن عند المريسي جواب أكثر من هذا؛ يعني إن الله تعالى لا يتكلم.

قال أبو عبيد القاسم بن سلام: "أما تشبيه قول الله: ( إذا أردناه ) ، بقوله قالت السماء فأمطرت، وقال الجدار فمال، فإنه لا يشبه، وهذه أغلوطة أدخلها، لأنك إذا قلت: قالت السماء، ثم تسكت لم يدر ما معنى قالت حتى تقول فأمطرت، وكذلك إذا قلت: أراد الجدار ثم لم يبين ما معنى أراد لم يدر ما معناه، وإذا قلت: قال الله، اكتفيت بقوله: قال. فقال: مكتف لا يحتاج إلى شيء يستدل به على قال، كما احتجت إذا قال الجدار فمال، وإلا لم يكن لقال الجدار معنى، ومن قال هذا فليس شيء من الكفر إلا وهو دونه، ومن قال هذا فقد قال على الله ما لم يقله اليهود والنصارى ومذهبه التعطيل للخالق".

[ ص: 36 ] وقال علي: سمعت بشر بن المفضل، وذكر ابن خلوبة بالبصرة جهمي فقال بشر: "هو كافر".

وسئل وكيع عن مثنى الأنماطي، فقال: "كافر".

وقال عبد الله بن داود "لو كان لي على المثنى الأنماطي سبيل لنزعت لسانه من قفاه، وكان جهميا".

وقال سليمان بن داود الهاشمي: "من قال: القرآن مخلوق فهو كافر. وإن كان القرآن مخلوقا كما زعموا، فلم صار فرعون أولى بأن يخلد في النار إذ قال: ( أنا ربكم الأعلى ) وزعموا إن هذا مخلوق، والذي قال: ( إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني ) هذا أيضا قد ادعى ما ادعى فرعون، فلم صار فرعون أولى بأن يخلد في النار من هذا، وكلاهما عنده مخلوق"، فأخبر بذلك أبو عبيد فاستحسنه وأعجبه.

وقال أحمد بن محمد: "قد تبين لي إن القوم كفار".

وقال الفضيل بن عياض: إذا قال لك جهمي: أنا أكفر برب يزول عن مكانه، فقل: "أنا أؤمن برب يفعل ما يشاء".

وقال ابن عيينة: رأيت ابن إدريس قائما عند كتاب، قلت: ما تفعل يا أبا محمد هنا؟ قال: "أسمع كلام ربي من في هذا الغلام".

وحذر يزيد بن هارون عن الجهمية وقال: "من زعم أن الرحمن على العرش استوى على خلاف ما يقر في قلوب العامة فهو جهمي، ومحمد الشيباني جهمي".

[ ص: 37 ] وقال ضمرة بن ربيعة، عن صدقة، سمعت سليمان التيمي، يقول: "لو سئلت أين الله؟ لقلت في السماء، فإن قال فأين كان عرشه قبل السماء؟ لقلت على الماء، فإن قال: فأين كان عرشه قبل الماء؟ لقلت لا أعلم". قال أبو عبد الله: وذلك لقوله تعالى: ( ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء ) يعني إلا بما بين.

وقال ابن عيينة، ومعاذ بن معاذ، والحجاج بن محمد، ويزيد بن هارون، وهاشم بن القاسم، والربيع بن نافع الحلبي، ومحمد بن يوسف، وعاصم بن علي بن عاصم، ويحيى بن يحيى، وأهل العلم: "من قال: القرآن مخلوق فهو كافر".

وقال محمد بن يوسف: "من قال إن الله ليس على عرشه فهو كافر، ومن زعم إن الله لم يكلم موسى فهو كافر".

وقيل لمحمد بن يوسف: "أدركت الناس، فهل سمعت أحدا يقول: القرآن مخلوق؟ فقال: الشيطان يكلم بهذا، من يكلم بهذا فهو جهمي، والجهمي كافر".

التالي السابق


الخدمات العلمية