الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
فصل: وقد كان لبعضهم بضاعة فأنفقها وقال ما أريد أن تكون ثقتي إلا بالله، وهذا قلة فهم لأنهم يظنون أن التوكل قطع الأسباب وإخراج الأموال.

أخبرنا القزاز قال أخبرنا الخطيب قال أخبرنا أبو نعيم الحافظ قال أنبأنا جعفر الخلدي في كتابه قال: سمعت الجنيد يقول: دققت على أبي يعقوب الزيات بابه في جماعة من أصحابنا فقال ما كان لكم شغل في الله عز وجل يشغلكم عن المجيء إلي، فقلت له إذا كان مجيئنا إليك من شغلنا به فلم ننقطع عنه فسألته عن مسألة في التوكل فأخرج درهما كان عنده ثم أجابني فأعطى التوكل حقه ثم قال: استحييت من الله أن أجيبك وعندي شيء.

[ ص: 178 ] قال المصنف: لو فهم هؤلاء معنى التوكل وأنه ثقة القلب بالله عز وجل لا إخراج صور المال ما قال هؤلاء هذا الكلام ولكن قل فهمهم، وقد كان سادات الصحابة والتابعين يتجرون ويجمعون الأموال وما قال مثل هذا أحد منهم، وقد روينا عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال حين أمر بترك الكسب لأجل شغله بالخلافة فمن أين أطعم عيالي، وهذا القول منكر عند الصوفية يخرجون قائله من التوكل وكذلك ينكرون على من قال: هذا الطعام يضرني وقد رووا في ذلك حكاية عن أبي طالب الرازي قال: حضرت مع أصحابنا في موضع فقدموا اللبن وقال لي كل فقلت لا آكله فإنه يضرني، فلما كان بعد أربعين سنة صليت يوما خلف المقام ودعوت الله عز وجل وقلت اللهم إنك تعلم أني ما أشركت بك طرفة عين، فسمعت هاتفا يهتف بي ويقول: ولا يوم اللبن.

قال المصنف: وهذه الحكاية الله أعلم بصحتها - واعلم أن من يقول: هذا يضرني لا يريد أن يفعل ذلك الضرر بنفسه وإنما يريد أنه سبب الضرر، كما قال الخليل صلوات الله وسلامه عليه ( رب إنهن أضللن كثيرا من الناس ) وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ما نفعني مال كمال أبي بكر"، وقوله ما نفعني مقابل لقول القائل ما ضرني، ويصح عنه أنه قال: "ما زالت أكلة خيبر تعادني فهذا أوان قطعت أبهري، وقد ثبت أنه لا رتبة أولى من رتبة النبوة وقد نسب النفع إلى المال والضرر إلى الطعام فالتحاشي عن سلوك طريقه صلى الله عليه وسلم تعاط على الشريعة فلا يلتفت إلى هذيان من هذى في مثل هذا.

التالي السابق


الخدمات العلمية