الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( ومن أقر بقتل خطإ ولم يرفعوا إلى القاضي إلا بعد سنين قضي عليه بالدية في ماله في ثلاث سنين من يوم يقضى ) لأن التأجيل من وقت القضاء في الثابت بالبينة ففي الثابت بالإقرار أولى ( ولو تصادق القاتل وولي الجناية على أن قاضي بلد كذا قضى بالدية على عاقلته بالكوفة بالبينة وكذبهما العاقلة فلا شيء على العاقلة ) لأن تصادقهما ليس بحجة عليهم ( ولم يكن عليه شيء في ماله ) لأن الدية بتصادقهما تقررت [ ص: 408 ] على العاقلة بالقضاء وتصادقهما حجة في حقهما ، بخلاف الأول ( إلا أن يكون له عطاء معهم فحينئذ يلزمه بقدر حصته ) لأنه في حق حصته مقر على نفسه وفي حق العاقلة مقر عليهم .

التالي السابق


( قوله لأن التأجيل من وقت القضاء في الثابت بالبينة ففي الثابت بالإقرار أولى ) قال صاحب العناية : يريد أن الثابت بالبينة أقوى منه بالإقرار ، لأن الثابت بها كالثابت معاينة ، وفي القتل معاينة الدية إنما تجب بقضاء القاضي فهذا أولى انتهى . ورد عليه بعض الفضلاء حيث قال : ليس كلام المصنف في الدية بل في التأجيل كما لا يخفى ، وقال : ولعل الأولى أن يقال : إذا ثبت القتل الخطأ بالبينة يلزم الدية على العاقلة ومع هذا يؤجل إلى ثلاث سنين تحقيقا للتخفيف ، ففي الثابت بالإقرار أولى يؤجل [ ص: 408 ] للتخفيف لأن الوجوب حينئذ على المقر وحده دون العاقلة فليتأمل انتهى .

أقول : ليس ما قاله بسديد ، إذ ليس كلام المصنف هنا أصالة في الدية ولا في التأجيل نفسه ، لأن وجوب الدية بطريق التأجيل في القتل الخطإ ، إذ قد علم في كتاب الجنايات وفي كتاب الديات وفيما مر غير مرة في كتاب المعاقل ، وإنما الكلام هاهنا أصالة في كون التأجيل من وقت القضاء دون وقت الإقرار ، ولهذا قصر المصنف البيان عليه في تعليل هذه المسألة ، وما ذكره ذلك البعض بقوله ولعل الأولى أن يقال إلخ إنما يفيد كون الدية مؤجلة إلى ثلاث سنين في هذه المسألة ، لا كون التأجيل فيها من وقت القضاء دون وقت الإقرار ، والمقصود بالبيان هنا هو الثاني دون الأول . وأما ما ذكره صاحب العناية فيفيد الثاني لأنه قال : وفي القتل معايبة إنما تجب الدية بقضاء القاضي فهذا أولى ، وهذا يثبت كون التأجيل من وقت القضاء دون وقت الإقرار ، لأن وجوب الدية إذا كان بقضاء القاضي فلا جرم لا يتحقق وجوبها قبل قضاء القاضي وتأجيل الدية فرع وجوبها لا محالة ، إنما يتصور التأجيل من وقت القضاء لا قبله . وعن هذا قال في المبسوط كما نقل عنه في النهاية . والتأجيل فيه من وقت القضاء لا من وقت الإقرار ، لأن الثابت بالإقرار بالقتل لا يكون أقوى من الثابت بالمعاينة ، وفي القتل المعاين الدية إنما تجب بقضاء القاضي فهنا أولى انتهى .




الخدمات العلمية