الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 212 ] قال ( وموجب ذلك على القولين الإثم ) ; لأنه قتل وهو قاصد في الضرب ( والكفارة ) لشبهه بالخطأ ( والدية مغلظة على العاقلة ) والأصل أن كل دية وجبت بالقتل ابتداء لا بمعنى يحدث من بعد فهي على العاقلة اعتبارا بالخطأ ، وتجب في ثلاث سنين لقضية عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، وتجب مغلظة ، وسنبين صفة التغليظ من بعد إن شاء الله تعالى ( ويتعلق به حرمان الميراث ) ; لأنه جزاء القتل ، والشبهة تؤثر في سقوط القصاص دون حرمان الميراث

[ ص: 213 ] ومالك وإن أنكر معرفة شبه العمد فالحجة عليه ما أسلفناه

التالي السابق


( قوله وموجب ذلك على القولين الإثم ; لأنه قتل وهو قاصد في الضرب ، والكفارة لشبهه بالخطإ ) أقول : الظاهر المتبادر من قوله لشبهه بالخطإ قياس وجوب الكفارة في شبه العمد على وجوبها في الخطإ أو إلحاق وجوبها في شبه العمد دلالة بوجوبها في الخطإ ، وأيا ما كان يرد عليه أن يقال إن تعينها لدفع الذنب الأدنى في الشرع لا يعينها لدفع الذنب الأعلى كما سبق في الجواب عن قياس الشافعي وجوب الكفارة في العمد على وجوبها في الخطإ ; إذ لا شك أن شبه العمد أيضا أعلى ذنبا من الخطإ المحض ، فإن الجاني في الأول قاصد في الضرب بخلاف الثاني ، وعن هذا قالوا في الأول : وموجبه المأثم وفي الثاني ولا إثم فيه

فالأولى في بيان وجوب الكفارة في شبه العمد ما ذكره صاحب الكافي حيث قال : والكفارة ; لأنه خطأ نظرا إلى الآلة ، فدخل تحت قوله تعالى { ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة } الآية انتهى ( قوله والأصل أن كل دية وجبت بالقتل ابتداء لا بمعنى يحدث من بعد فهي على العاقلة اعتبارا بالخطإ ) أقول : مدلول قوله اعتبارا بالخطإ أن يكون الأصل في وجوب الدية على العاقلة هو الخطأ ، وأن يكون وجوبها عليهم في شبه العمد ثابتا بالقياس على الخطإ ، وليس ذاك بواضح ; إذ المصنف قال في أوائل كتاب المعاقل : والأصل في وجوبها على العاقلة قوله عليه الصلاة والسلام في حديث { حمل بن مالك رضي الله عنه للأولياء قوموا فدوه } انتهى

وقد كانت الجناية في حديث حمل بن مالك شبه عمد لا خطأ فإن تفصيله على ما ذكره الشراح قاطبة في فصل الجنين من كتاب الديات أنه روي عن { حمل بن مالك قال كنت بين ضرتين فضربت إحداهما الأخرى بعمود فسطاط أو بمسطح خيمة فألقت جنينا ميتا ، فاختصم أولياؤها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال عليه الصلاة والسلام لأولياء الضاربة : دوه ، فقال أخوها : أندي من لا صاح ولا استهل ، ولا شرب ولا أكل ، ودم مثله يطل ، فقال عليه الصلاة والسلام : أسجع كسجع الكهان } وفي رواية { دعني وأراجيز العرب قوموا فدوه } وهكذا ذكر في المبسوط أيضا ، ولا ريب أن قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بالدية على العاقلة على ما ذكروا في تفصيل ذلك في الحديث إنما كان بجناية شبه العمد دون الخطإ ، فكان وجوب الدية على العاقلة في شبه العمد ثابتا بالنص دون القياس ، وكان الأصل في هذا [ ص: 213 ] الحكم هو شبه العمد لا الخطأ فتأمل ( قوله ومالك رحمه الله تعالى وإن أنكر معرفة شبه العمد فالحجة عليه ما أسلفناه ) قال جمهور الشراح : أراد به قوله عليه الصلاة والسلام { ألا إن قتيل خطإ العمد قتيل السوط والعصا } وقال صاحب العناية بعد نقل ذلك : ولكن المعهود من المصنف في مثله أن يقول ما رويناه ، وقال : والحق أن يقال : إنما قال أسلفناه نظرا إلى الحديث والمعنى المعقول انتهى

أقول : فيه كلام ، وهو أن حاصل المعنى المعقول على ما قرره صاحب العناية فيما قبل قياس العصا الكبيرة على العصا الصغيرة في كونهما غير موضوعتين للقتل ولا مستعملتين له ، ومالك منكر كون القتل بالعصا الصغيرة أيضا شبه عمد ، فإنه قال : لا أدري ما شبه العمد ، وإنما القتل نوعان : عمد ، وخطأ ; إذ لا واسطة بينهما في سائر الأفعال فكذا في هذا الفعل فكيف يكون المعنى المعقول المذكور حجة عليه




الخدمات العلمية