الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  3417 117 - حدثنا علي بن عبد الله، حدثنا أزهر بن سعد، حدثنا ابن عون قال: أنبأني موسى بن أنس عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم افتقد ثابت بن قيس فقال رجل: يا رسول الله، أنا أعلم لك علمه، فأتاه فوجده جالسا في بيته منكسا رأسه فقال: ما شأنك؟ فقال: شر؛ كان يرفع صوته فوق صوت النبي صلى الله عليه وسلم فقد حبط عمله، وهو من أهل النار، فأتى الرجل فأخبره أنه قال كذا وكذا، فقال موسى بن أنس: فرجع المرة الآخرة ببشارة عظيمة فقال: اذهب إليه فقل له: إنك لست من أهل النار ولكن من أهل الجنة.

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة تؤخذ من قوله: " لست من أهل النار ولكن من أهل الجنة " لأن هذا أمر لا يطلع عليه إلا النبي صلى الله عليه وسلم، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه يعيش حميدا ويموت شهيدا، فلما كان يوم اليمامة ثبت حتى قتل، وروى ابن أبي حاتم في تفسيره من طريق سليمان بن المغيرة عن ثابت، عن أنس في قصة ثابت بن قيس، فقال في آخرها: قال أنس: قلنا: نراه يمشي بين أظهرنا ونحن نعلم أنه من أهل الجنة، فلما كان يوم اليمامة كان في بعضنا بعض الانكشاف فأقبل وقد تكفن وتحنط، فقاتل حتى قتل.

                                                                                                                                                                                  (ذكر رجاله) وهم خمسة: علي بن عبد الله المعروف بابن المديني، وأزهر بفتح الهمزة وسكون الزاي ابن سعد الباهلي السمان البصري، مات سنة ثلاث ومائتين. وابن عون هو عبد الله بن عون بن أرطبان أبو عون المزني البصري. وموسى بن أنس بن مالك قاضي البصرة، وأنس بن مالك رضي الله تعالى عنه.

                                                                                                                                                                                  (ذكر معناه) قوله: " أنبأني موسى بن أنس " ووقع في رواية أبي عوانة، ورواية عبد الله بن أحمد عن ابن عون، عن ثمامة بن عبد الله بن أنس بدل موسى بن أنس، وأخرجه أبو نعيم عن الطبراني عنه وقال: لا أدري ممن الوهم. وأخرجه الإسماعيلي من طريق ابن المبارك، عن ابن عون، عن موسى بن أنس قال: لما نزلت: يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي قعد ثابت بن قيس في بيته الحديث، وهذا صورته مرسل إلا أنه يقوي أن الحديث لابن عون عن موسى لا عن ثمامة.

                                                                                                                                                                                  قوله: " افتقد ثابت بن قيس " وقيس بن شماس بن زهير بن مالك بن امرئ القيس بن مالك، وهو الأغر بن ثعلبة بن كعب بن الخزرج، وكان خطيب الأنصار وخطيب النبي عليه الصلاة والسلام، وقد ذكرنا أنه قتل باليمامة شهيدا.

                                                                                                                                                                                  قوله: " فقال رجل " قيل: هو سعد بن معاذ لما روى مسلم من وجه آخر من طريق حماد عن ثابت، عن أنس فسأل النبي عليه الصلاة والسلام سعد بن معاذ فقال: يا أبا عمرو، ما شأن ثابت اشتكى؟ فقال سعد: إنه لجاري وما علمت له شكوى. (فإن قلت): الآية المذكورة نزلت في سنة الوفود بسبب الأقرع بن حابس وغيره، وكان ذلك في سنة تسع، وسعد بن معاذ مات قبل ذلك في بني قريظة، وذلك في سنة خمس. قلت: أجيب عن ذلك بأن الذي نزل في قصة ثابت مجرد رفع الصوت، والذي نزل في قصة الأقرع أول السورة؛ وهو قوله: لا تقدموا بين يدي الله ورسوله وقيل: الرجل المذكور هو سعد بن عبادة لما روى ابن المنذر في تفسيره من طريق سعيد بن بشر عن قتادة، عن أنس في هذه القصة فقال سعد بن عبادة: يا رسول الله، هو جاري. الحديث.

                                                                                                                                                                                  [ ص: 146 ] قيل: هو أشبه بالصواب؛ لأن سعد بن عبادة من قبيلة ثابت بن قيس فهو أشبه أن يكون جاره من سعد بن معاذ؛ لأنه من قبيلة أخرى. قوله: " أنا أعلم لك " هكذا رواية الأكثرين. وقال الكرماني: كلمة ألا للتنبيه أو تكون الهمزة في ألا للاستفهام، وفي بعضها: أنا أعلم. قلت: كأن النسخ التي وقعت عندهم ألا أعلم موضع: أنا أعلم، فلذلك قال كلمة ألا للتنبيه، أو تكون الهمزة في ألا للاستفهام، ثم أشار إلى رواية الأكثرين وهي أنا أعلم بقوله: وفي بعضها: أنا أعلم. قوله: " لك " أي: لأجلك. قوله: " علمه " أي: خبره.

                                                                                                                                                                                  قوله: " فأتاه " أي: فأتى الرجل المذكور ثابت بن قيس فوجده جالسا في بيته، وقوله: جالسا ومنكسا حالان مترادفان أو متداخلان، ورأسه منصوب بقوله: " منكسا ". قوله: " ما شأنك؟ " أي: ما حالك. قوله: " فقال: شر " أي: فقال ثابت: حالي شر. قوله: " كان يرفع صوته " هذا التفات، ومقتضى الحال أن يقول: كنت أرفع صوتي ولكنه التفت من الحاضر إلى الغائب. قوله: " فقد حبط عمله " أي: بطل، وكان القياس فيه أيضا أن يقول: فقد حبط عملي، وكذا. قوله: " وهو من أهل النار " والقياس فيه: وأنا من أهل النار. قوله: " فأتى الرجل فأخبره " أي: فأتى الرجل النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره أنه قال كذا وكذا، وكان ثابت لما نزلت: لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي جلس في بيته وقال: أنا من أهل النار. وفي رواية لمسلم فقال ثابت: أنزلت هذه الآية ولقد علمتم أني من أرفعكم صوتا. قوله: " فقال موسى بن أنس " وهو الراوي المذكور عن أبيه أنس.

                                                                                                                                                                                  قوله: " فرجع المرة الآخرة " أي: فرجع الرجل المذكور، ويروى المرة الأخرى. قوله: " ببشارة " بضم الباء وكسرها والكسر أشهر، وهي الخبر السار سميت بذلك لأنها تظهر طلاقة الإنسان وفرحه. قوله: " فقال: اذهب إليه " بيان البشارة أي: فقال النبي صلى الله عليه وسلم للرجل المذكور: اذهب إلى ثابت بن قيس فقل له... إلى آخره، (فإن قلت): فيه زيادة العدد على المبشرين بالجنة، قلت: التخصيص بالعدد لا ينافي الزائد، أو المراد بالعشرة الذين بشروا بها دفعة واحدة أو بلفظ البشارة، وكيف لا والحسن والحسين وأزواج النبي صلى الله عليه وسلم من أهل الجنة قطعا ونحوهم.




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية