الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  3588 287 - حدثني محمد بن يحيى أبو علي، حدثنا شاذان أخو عبدان، حدثنا أبي، أخبرنا شعبة بن الحجاج، عن هشام بن زيد قال: سمعت أنس بن مالك يقول: مر أبو بكر والعباس رضي الله عنهما بمجلس من مجالس الأنصار وهم يبكون فقال: ما يبكيكم؟ قالوا: ذكرنا مجلس النبي -صلى الله عليه وسلم- منا، فدخل على النبي -صلى الله عليه وسلم- فأخبره بذلك قال: فخرج النبي -صلى الله عليه وسلم- وقد عصب على رأسه حاشية برد قال: فصعد المنبر - ولم يصعده بعد ذلك اليوم - فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: " أوصيكم بالأنصار فإنهم كرشي وعيبتي، وقد قضوا الذي عليهم وبقي الذي لهم، فاقبلوا من محسنهم وتجاوزوا عن مسيئهم "

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة في آخر الحديث لأنه عين الترجمة، ومحمد بن يحيى أبو علي اليشكري المروزي الصائغ بالغين المعجمة كان أحد الحفاظ، روى عنه مسلم والنسائي أيضا وقال: ثقة، مات سنة اثنتين وخمسين ومائتين، وقيل: مات قبل البخاري بأربع سنين، (قلت): نعم لأن البخاري مات في سنة ست وخمسين ومائتين، وشاذان بالمعجمة اسمه عبد العزيز بن عثمان بن جبلة وهو أخو عبدان وهو أكبر من شاذان، وقد أكثر البخاري في (صحيحه) عن عبدان، وأدرك شاذان ولكنه روى عنه هنا بواسطة، وأبوهما عثمان بن جبلة، روى عنه ابنه عبدان عند البخاري ومسلم، وروى عنه شاذان عند البخاري في غير موضع، وهشام بن زيد بن أنس بن مالك روى عن جده أنس بن مالك.

                                                                                                                                                                                  والحديث أخرجه النسائي أيضا عن شيخ البخاري محمد بن يحيى المذكور في المناقب.

                                                                                                                                                                                  قوله: " والعباس " هو ابن عبد المطلب عم النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم -، وكان مرورهما بمجلس من مجالس الأنصار في مرض النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم -. قوله: " وهم يبكون " جملة حالية. قوله: " فقال ما يبكيكم " يحتمل أن يكون هذا القائل أبا بكر، ويحتمل أن يكون العباس، وقال بعضهم: والذي يظهر لي أنه العباس، (قلت): لا قرينة هنا تدل على ذلك، ثم قوي ما قاله من أنه العباس بالحديث الثاني الذي يأتي الآن الذي رواه ابن عباس فقال: هذا من رواية ابنه يعني ابن عباس، فكأنه سمع ذلك منه، (قلت): هذا أبعد من ذلك لأن الوصية في حديث ابن عباس أعم من الوصية التي في حديث العباس، لأنها في حديثه مختصة بالأنصار بخلاف حديث ابن عباس، فأين ذا من ذاك؟ حتى يكون هذا دليلا على أن القائل في قوله " فقال ما يبكيكم " هو العباس من غير احتمال أن يكون أبا بكر رضي الله تعالى عنه. قوله: " ذكرنا مجلس النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - " لأنهم كانوا يجلسون معه، وكان ذلك في مرض النبي -صلى الله عليه وسلم- فخافوا أن يموت من مرضه فيفقدوا مجلسه، فبكوا حزنا على فوات ذلك. قوله: " فدخل على النبي -صلى الله عليه وسلم- " أي: فدخل هذا القائل: ما يبكيكم على النبي -صلى الله عليه وسلم- " فأخبره بذلك " أي: بما شاهد من بكائهم. قوله: " فخرج النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - " القائل يحتمل أن يكون القائل [ ص: 266 ] ما يبكيكم، ويحتمل أن يكون الراوي وهو أنس رضي الله تعالى عنه، وهذا هو الأظهر. قوله: " وقد عصب " الواو فيه للحال، وعصب بتخفيف الصاد ومصدره عصب وهو متعد، وكذا عصب بالتشديد ومصدره تعصيب، يقال: عصب رأسه بالعصابة تعصيبا. قوله: " حاشية برد " بالنصب مفعول عصب، وفي رواية المستملي: " حاشة بردة " والبرد نوع من الثياب معروف والجمع أبراد وبرود، والبردة الشملة المخططة، وقيل: كساء أسود مربع تلبسه الأعراب وجمعها برد. قوله: " كرشي " بفتح الكاف وكسر الراء، " وعيبتي " بفتح العين المهملة وسكون الياء آخر الحروف وفتح الباء الموحدة، والكرش لكل مجتر بمنزلة المعدة للإنسان، والعيبة مستودع الثياب، والأول أمر باطن، والثاني ظاهر، فيحتمل أنه ضرب المثل بهما في إرادة اختصاصهم بأموره الظاهرة والباطنة، وقال الخطابي: يريد أنهم بطانتي وخاصتي، ومثله بالكرش لأنه مستقر غذاء الحيوان الذي يكون به بقاؤه، وقد يكون المراد بالكرش أهل الرجل وعياله، والعيبة التي يخزن فيها المرء حر ثيابه أي: أنهم موضع سره وأمانته، وقال ابن دريد: هذا من كلامه صلى الله تعالى عليه وسلم الموجز الذي لم يسبق إليه. قوله: " قد قضوا الذي عليهم " وهو ما وقع لهم من المبايعة ليلة العقبة، فإنهم كانوا بايعوا على أن يؤوا النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - وينصروه على أن لهم الجنة فوفوا بذلك. قوله: " وبقي الذي لهم " وهو دخول الجنة. قوله: " فاقبلوا " أي: إذا كان الأمر كذلك فاقبلوا من محسنهم أي: من محسن الأنصار. قوله: " وتجاوزوا " قد ذكرنا أن معناه لا تؤاخذوهم بالإساءة، والتجاوز عن المسيء مخصوص بغير الحدود، وفيه وصية عظيمة لأجلهم وفضيلة عزيزة لهم.




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية