الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  3265 106 - حدثنا ابن بكير، حدثنا الليث، عن يونس، عن ابن شهاب، عن نافع مولى أبي قتادة [ ص: 40 ] الأنصاري أن أبا هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم وإمامكم منكم؟

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة ظاهرة.

                                                                                                                                                                                  وابن بكير هو يحيى بن عبد الله بن بكير أبو زكريا المخزومي المصري، والليث بن سعد، ويونس بن يزيد، وابن شهاب هو محمد بن مسلم الزهري، ونافع مولى أبي قتادة الأنصاري هو أبو محمد بن عياش الأقرع، قال ابن حبان: هو مولى امرأة من غفار، وقيل: له مولى أبي قتادة لملازمته له، وليس له عن أبي هريرة في الصحيح سوى هذا الحديث الواحد.

                                                                                                                                                                                  والحديث أخرجه مسلم في الإيمان عن حرملة وعن محمد بن حاتم وعن زهير بن حرب.

                                                                                                                                                                                  قوله: (إذا نزل ابن مريم)؛ أي: عيسى ابن مريم، ولفظ: " فيكم " سقط من رواية أبي ذر، وكيفية نزوله أنه ينزل وعليه ثوبان ممصران، كذا رواه أحمد وأبو ذر عن أبي هريرة مرفوعا، والممصر من الثياب التي فيها صفرة خفيفة. وفي كتاب الفتن لأبي نعيم: ينزل عند القنطرة البيضاء على باب دمشق الشرقي تحمله غمامة واضعا يديه على منكبي ملكين، عليه ريطتان، إذا كب رأسه يقطر منه كالجمان، فيأتيه اليهود فيقولون: نحن أصحابك. فيقول: كذبتم - والنصارى كذلك - إنما أصحابي المهاجرون بقية أصحاب الملحمة. فيجد خليفتهم يصلي بهم، فيتأخر، فيقول له: صل، فقد رضي الله عنك، فإني إنما بعثت وزيرا ولم أبعث أميرا. قال: وبخروجه تنقطع الإمارة.

                                                                                                                                                                                  وفيه أيضا عن كعب: يحاصر الدجال المؤمنين ببيت المقدس فيصيبهم جوع شديد حتى يأكلوا أوتار قسيهم، فبينما هم كذلك إذ سمعوا صوتا في الغلس، فإذا عيسى عليه الصلاة والسلام، وتقام الصلاة فيرجع إمام المسلمين، فيقول عيسى عليه الصلاة والسلام: تقدم، فلك أقيمت الصلاة. فيصلي بهم ذلك الرجل تلك الصلاة، ثم يكون عيسى الإمام بعد.

                                                                                                                                                                                  وفيه من حديث أبي هريرة: وينزل بين أذانين.

                                                                                                                                                                                  وعن ابن عمر مرفوعا: المحاصرون ببيت المقدس إذ ذاك مائة ألف امرأة واثنان وعشرون ألفا مقاتلون، إذ غشيتهم ضبابة من غمام، إذ تنكشف عنهم مع الصبح فإذا عيسى بين ظهرانيهم.

                                                                                                                                                                                  وروى مسلم من حديث ابن عمر في مدة إقامة عيسى عليه الصلاة والسلام بالأرض بعد نزوله أنها سبع سنين، وروى أبو نعيم في كتاب الفتن من حديث ابن عباس أن عيسى إذ ذاك يتزوج في الأرض فيقيم بها تسع عشرة سنة. وبإسناده فيه منهم عن أبي هريرة : يقيم بها أربعين سنة . وروى أحمد وأبو داود بإسناد صحيح من طريق عبد الرحمن بن آدم عن أبي هريرة مرفوعا مثله، وعن كعب: يمكث فيهم عيسى أربعا وعشرين سنة منها عشر حجج يبشر المؤمنين بدرجاتهم في الجنة. وفي لفظ: أربعين سنة. وعن ابن عباس: يتزوج من قوم شعيب وهو ختن موسى عليه السلام وهم جذام، فيولد له فيهم، ويقيم تسع عشرة سنة، لا يكون أميرا ولا شرطيا ولا ملكا. وعن يزيد بن أبي حبيب: يتزوج امرأة من الأزد ليعلم الناس أنه ليس بإله. وقيل: يتزوج ويولد له، ويمكث خمسا وأربعين سنة، ويدفن مع النبي - صلى الله تعالى عليه وآله وسلم - في قبره. وقيل: يدفن في الأرض المقدسة - وهو غريب. وفي حديث عبد الله بن عمر: يمكث في الأرض سبعا، ويولد له ولدان محمد وموسى، وليس في أيامه إمام ولا قاض ولا مفت، وقد قبض الله العلم وخلا الناس عنه، فينزل وقد علم بأمر الله في السماء ما يحتاج إليه من علم هذه الشريعة للحكم بين الناس والعمل فيه في نفسه، فيجتمع المؤمنون ويحكمونه على أنفسهم إذ لا يصلح لذلك غيره.

                                                                                                                                                                                  وقد ذهب قوم إلى أن بنزوله يرتفع التكليف لئلا يكون رسولا إلى أهل ذلك الزمان يأمرهم وينهاهم، وهو مردود؛ لأنه لا ينزل بشريعة متجددة، بل ينزل على شريعة نبينا محمد - صلى الله تعالى عليه وآله وسلم - ويكون من أتباعه.

                                                                                                                                                                                  قوله: (وإمامكم منكم)؛ يعني يحكم بينكم بالقرآن لا بالإنجيل، قاله الكرماني. قلت: الإنجيل ليس فيه حكم، فلا حاجة إلى قوله: " لا بالإنجيل ". وقيل: معناه يصلي معكم بالجماعة والإمام من هذه الأمة. وقيل: وضع المظهر موضع المضمر تعظيما له وتربية للمهابة، يعني هو منكم والغرض أنه خليفتكم وهو على دينكم، كما تقول لولد زيد: والدك يأمرك بكذا ولا تقول: هو، أو فلان يأمرك. وقال الطيبي: أي: يؤمكم عيسى حال كونه في دينكم. قيل: يعكر عليه قوله في حديث مسلم: " فيقال له: صل لنا. فيقول: لا، إن بعضكم على بعض أمراء " تكرمة لهذه الأمة. وقال ابن الجوزي: لو تقدم عيسى عليه السلام إماما لوقع في النفس إشكال، ولقيل: أتراه تقدم نائبا أو مبتدئا شرعا فصلى مأموما لئلا يتدنس بغبار الشبهة وجه قوله صلى الله عليه وسلم " لا نبي بعدي "، انتهى.

                                                                                                                                                                                  وفي صلاة عيسى عليه الصلاة والسلام خلف رجل من هذه الأمة مع كونه في آخر الزمان وقرب قيام الساعة دلالة للصحيح من الأقوال أن الأرض لا تخلو عن قائم لله بحجة.




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية