الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ثم دخلت سنة أربع وسبعين وخمسمائة

فمن الحوادث فيها:

أنه كان مفتتحها الثلاثاء فتقدم إلي بالكلام تحت منظرة باب بدر فتكلمت بكرة وحضر أمير المؤمنين ، وتكلمت هناك يوم عاشوراء حضر أمير المؤمنين وقلت ولو أني مثلت بين يدي السدة الشريفة لقلت يا أمير المؤمنين كن لله سبحانه مع حاجتك إليه كما كان لك مع غناه عنك ، أنه لم يجعل أحدا فوقك فلا ترض أن يكون أحد أشكر منك . فتصدق يومئذ أمير المؤمنين عقيب المجلس بصدقات وأطلق محبوسين .

وانكسف القمر بعد ثلث الليل الأخير ليلة النصف من ربيع الأول فبقي على حاله إلى أن غاب بعد طلوع الشمس .

وانكسفت الشمس يوم الأربعاء تاسع عشرين ربيع الأول وقت العصر فبقيت إلى قريب الغروب كذلك .

وولدت امرأة من جيراننا في بطن واحدة ثلاثة أولاد ابن وابنتان فعاشوا بعض [اليوم وذلك في جمادى الأولى] .

وفي أوائل جمادى الآخرة تقدم أمير المؤمنين بعمل لوح ينصب على قبر الإمام أحمد بن حنبل فعمل ونقضت السترة جميعها وبنيت بآجر مقطوع جديدة وبني لها [ ص: 249 ] جانبان ووقع اللوح الجديد وفي رأسه مكتوب هذا أمر بعمله سيدنا ومولانا المستضيء بأمر الله أمير المؤمنين ، وفي وسطه: هذا قبر تاج السنة وحيد الأمة العالي الهمة العالم العابد الفقيه الزاهد [الإمام] أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني رحمه الله .

وقد كتب تاريخ وفاته وآية الكرسي حول ذلك .

[ووعدت بالجلوس في جامع المنصور فتكلمت يوم الاثنين سادس عشر جمادى الأولى فبات في الجامع خلق كثير وختمت ختمات واجتمع للمجلس بكرة ما حزر بمائة ألف وتاب خلق كثير وقطعت شعور ثم نزلت فمضيت إلى زيارة قبر أحمد فتبعني من حزر بخمسة آلاف] . وفي ليلة السبت حادي عشرين جمادى الأولى: أطلق تتامش إلى داره وتقدم أمير المؤمنين بعمل دكة بجامع القصر للشيخ ابن المنى الفقيه الحنبلي جلس فيها يوم الجمعة ثاني عشر جمادى الآخرة فماتوا أهل المذاهب من عمل مواضع للحنابلة وما كانت العادة قد جرت بذلك وجعل الناس يقولون لي هذا بسببك فإنه ما ارتفع هذا المذهب عند السلطان حتى مال إلى الحنابلة إلا بسماع كلامك فشكرت الله تعالى على ذلك .

ولقد قال لي صاحب المخزن: ما يخرج إلي شيء من عند السلطان فيه ذكرك إلا يثني عليه وقال له يوما نجاح الخادم: أنت تتعصب [لابن الجوزي] فقال والله ما يتعصب له سيدك بقدر ما أتعصب له إلا خمسين مرة وما يعجبه كلام غيره وكان يقول الوزير ابن رئيس الرؤساء ما دخلت قط على الخليفة إلا جرى ذكر ابن الجوزي وصار لي خمس مدارس وهذا شيء ما رآه الحنابلة إلا في زمني ولي مائة وثلاثون مصنفا إلى [ ص: 250 ] اليوم وهي في كل فن وقد تاب على يدي أكثر من مائة ألف وقطعت أكثر من عشرين ألف طائلة ولم ير لواعظ قط مثل مجلسي جمع الخليفة والوزير وصاحب المخزن وكبار العلماء .

وفي يوم الثلاثاء سلخ جمادى الآخرة: تكلمت بباب بدر وأمير المؤمنين حاضر والزحام شديد .

وفي بكرة السبت رابع رجب: حضر الناس الدعوة في دار أمير المؤمنين على رسمهم في كل سنة فأكلوا ودبرت ختمات وقرأ القراء كلهم وعاد للختمة ابن المهتدي الخطيب وأنشد ابن شبيب .

وتكلمت يوم الخميس بعد العصر تاسع رجب تحت المنظرة وأمير المؤمنين حاضر والزحام شديد والباب مغلق لشدة الزحام وبالغت في وعظ أمير المؤمنين فمما حكيت له أن الرشيد قال لشيبان عظني فقال: يا أمير المؤمنين لأن تصحب من يخوفك حتى يدركك الأمن خير لك من أن تصحب من يؤمنك حتى يدركك الخوف: قال الرشيد فسر لي هذا قال من يقول لك أنت مسئول عن الرعية فاتق الله أنصح لك ممن يقول أنتم أهل بيت مغفور لكم وأنتم قرابة نبيكم . فبكى الرشيد حتى رحمه من حوله .

وقلت له في كلامي يا أمير المؤمنين إن تكلمت خفت منك وإن سكت خفت عليك فأنا أقدم خوفي عليك لمحبتي لك على خوفي منك .

وتكلمت يوم السبت مفتتح رمضان في مدرستي بدرب دينار فكان الزحام خارجا عن الحد حتى غلق الأبواب وقصت ثلاثون طائلة وتاب خلق من المفسدين .

وخرج كانون ولم يأت فيه إلا شيء يسير من المطر وخرج كانون الثاني خاليا عن مطر وكذلك خرج شباط وآذار وجاء في نيسان مرة شيء يسير وشاع في الناس أن في [ ص: 251 ] الموصل الغلاء وفي ما حولها وأنهم استسقوا فلم يسقوا وأما دجلة فما رأيت فيها زيادة ولا انقطع الجسر طول السنة وهلك من الزرع ما كان سقيه بالمطر وأجدبت واسط فكانوا ينقلون الطعام من بغداد إليها فمنع ذلك وصار الخبز الحواري كل ستة أرطال بقيراط والشعير كل أربعة أرطال بحبة وهم على حذر من الغلاء الشديد هذا والناس يحصدون .

وجاء رجل إلى بغداد في رمضان فذكر أنه يضرب بالسيف والسكين فلا يعمل فيه ولكن ذكروا أن ذلك سيفه وسكينه خاصة وكان يقول لهم أنا مشعبذ .

وفي ليلة الجمعة رابع عشرين رمضان: كبس بالكرخ على رجل يقال له أبو السعادات ابن قرايا كان ينشد على الدكاكين ويقال أنه كان يذكر على العوني وغيره من الرفض فوجدوا عنده كتبا كثيرة فيها سب الصحابة وتلقيفهم فأخذ فقطع لسانه بكرة الجمعة وقطعت يده ثم حط إلى الشط ليحمل إلى المارستان فضربه العوام بالآجر في الطريق فهرب إلى الشط فجعل يسبح وهم يضربونه حتى مات ثم أخرجوه وأحرقوه ثم رمي باقيه إلى الماء فطفا بعد أيام فقالت العامة ما رضيته السمك وقالت العامة فيه الشعر الكثير المسمى بكان وكان [فقال بعضهم:


زوروا الشبيك وخلوا سرداب سامرا     السنة خل المشبه حامض
وقعت فيه هراك

ما رأيتم ابن قرايا رأيا ظهر فيه معجزة إن ردت بل وتقدم هذا عقوبة ذاك] ثم تتبع جماعة من الروافض فجعلوا يحرقون كتبا عندهم من غير أن يطلع عليها مخافة أن ينم عليهم وخمدت جمرتهم بمرة وصاروا أذل من اليهود .

وفي ليلة السبت تاسع عشرين رمضان: حضر الجماعة على طبق صاحب المخزن فتكلم ابن البغدادي الفقيه فقال إن عائشة قاتلت عليا عليه السلام فصارت من جملة البغاة فتقدم صاحب المخزن بإقامته من مكانه ووكل به في المخزن وكتب إلى أمير [ ص: 252 ] المؤمنين بذلك فخرج التوقيع بتعزيره فجمع الفقهاء فقيل لهم ما تقولون فيما قال؟ وهل يجوز أن يترك تعزيره إذا أقر بالخطأ؟ فجعل هو يناظر على ما قال والفقهاء يردون ما يقول فقلت أنا من بين الجماعة هذا رجل ليس له علم بالنقل وقد سمع أنه جرى قتال ولعمري لقد جرى قتال ولكن ما قصدته عائشة ولا علي إنما أثار الحرب سفهاء الفريقين ولولا علمنا بالسير لقلنا مثل ما قال وتعزير مثل هذا أن يقر بالخطأ بين الجماعة ويصفح عنه ، فكتب إلى أمير المؤمنين بذلك فوقع إذا كان قد أقر بالخطأ فيشترط عليه أن لا يعاود ثم أطلق .

وجاء الخبر: بقلة الماء في طريق مكة وبعدم العشب والجمال فنودي في الناس لا يخرج ماش ولا صاحب تجارة فقعد خلق كثير ورجع قوم قد قدموا من الموصل للحج فعادوا يبيعون زادهم وخرج من خرج على خوف ومخاطرة وعاد جماعة من الحلة ونزل أكثرهم في السفن فخرج عليهم عرب فأخذوا أكثر الأموال وقتل منهم قوم وشاع أنه قدم قوم من الباطنية يريدون قتل قوم من الأكابر فوقع الاحتراز وحكى لي ثقات أن الأرض زلزلت بعد العصر يوم السبت ثاني عشر ذي القعدة أربع مرات ولم أحس أنا بذلك .

ومما جرى في هذا الشهر أن رجلا تاجرا أكرى مع مكارية من الموصل وكان معه ألف دينار فعلم بها المكارية فسرقوها في الطريق فلم يتكلم حتى دخل بغداد فاستعدى عليهم فأحضرهم صاحب المخزن فأقر أحدهم أني أنا أخذتها وهي مدفونة في الياسرية فبعث فجيء بها فنقصت خمسين دينارا فطولب فقال هي مع قرابة لي فقال صاحب المخزن احبسوا هذا حتى نصلبه غدا فقام الرجل في الليل فصلب نفسه .

وفي ليلة الثلاثاء تاسع عشرين ذي القعدة: هبت ريح شديدة وغامت السماء نصف الليل وظهرت أعمدة مثل النار في أطراف السماء كأنها تتصاعد من الأرض فاستغاث الناس استغاثة شديدة وبقي الأمر على ذلك إلى ضحوة ذي الحجة ولم ير الهلال ليلة الثلاثين فأرخ الناس الشهر بالجمعة على التمام وكان الهلال زائدا على الحد في الكبر والعلو فجعلنا ندهش من كبره . [ ص: 253 ]

ومن العادة أن أول رمضان هو يوم الأضحى وهذا ليس كذلك فبقي الأمر على هذا يوم الجمعة إلى يوم الجمعة قبل الصلاة فوصل من بعض البلاد ما أوجب أن علم الناس أن اليوم يوم عرفة فأخرج المنبر وهيئت أمور العيد وتقدم إلي بالجلوس عشية الجمعة فجلست للتعريف بباب بدر وأمير المؤمنين حاضر .

التالي السابق


الخدمات العلمية