الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 48 ] ثم دخلت سنة إحدى وأربعين وخمسمائة

فمن الحوادث فيها .

أنه في ليلة الاثنين مستهل ربيع الآخر وقع الحريق في القصر الذي بناه المسترشد في البستان الذي على مسناة باب الغربة ، وكان تلك الليلة قد اجتمع الخليفة بخاتون فيه ، وجمعوا من الأواني والأثاث والزي كل طريف ، وعزموا على المقام فيه ثلاثة أيام فما أحسوا إلا والنار قد لفحتهم من أعلى القصر ، وكانوا نياما في أعلاه ، وكان السبب أن جارية كانت بيدها شمعة فعلقت بأطراف الخيش فأصبح الخليفة فأخرج المحبوسين وتصدق بأشياء .

وفي ثالث جمادى الآخرة : خلع على ابن المرخم خلعة سوداء ، وطيف به في الأسواق فقلد القضاء يحضر من أي صقع شاء وليس على يده يد ، وكان مطيلسا بغير حنك ثم ترك الطيلسان .

ووصل الخبر يوم الثلاثاء خامس عشر ربيع الآخر بأن ثلاثة من خدم زنكي [الخواص ] قتلوه ، وقام بالأمر ابنه غازي في الموصل ، وأكبر الولاية ، وكان ابنه محمود في حلب .

[ ص: 49 ] وفي رجب : دخل السلطان مسعود إلى بغداد ، وعمل دار ضرب فقبض الخليفة على ضراب كان سبب إقامة دار الضرب لمسعود فنفذ الشحنة فقبض على حاجب الباب ابن الصاحب وعلى أربعة أنفس خواص وقال لا أسلمهم حتى يخلوا صاحبي ، وكان ذلك يوم الجمعة تاسع عشر شعبان فنفذ الخليفة فأخرج من في الجامع وغلقه وأمر بغلق المساجد فبقيت ثلاثة أيام كذلك ثم تقدموا بفتحها ولم يسلم لهم الضراب وأطلق حاجب الباب يوم الخميس خامس عشرين شعبان وتوفي نقيب النقباء محمد بن طراد فولي النقابة أبو أحمد طلحة بن علي الزينبي .

واستشعر السلطان مسعود من سليمان شاه فراسل الأمير عباسا واستصلحه فلما تم ذلك قبض على سليمان شاه وحمله إلى القلعة وحضر عباس من خدمته السلطان بالري وسلمها ثم اجتمع الأمراء عند مسعود ببغداد فتكلموا على عباس فقتل .

وخطب ابن العبادي بجامع القصر في رمضان ، فاجتمع خلق لا يحصى .

وفي شوال توفيت بنت الخليفة ، وقع عليها حائط أو سقف فماتت فحملت إلى الرصافة ومعها الوزير وأرباب الدولة ، واشتد الحزن عليها وكانت قد بلغت مبلغ النساء وجلس للعزاء بها ثلاثة أيام ، ولبسوا الثياب البيض واجتمعوا في اليوم الثاني في الترب للتعزية ، وكان في الجماعة قاضي القضاة الزينبي ومعه صهره أبو نصر خواجا أحمد نظام الملك وهو يومئذ مدرس النظامية فجاء أستاذ الدار ابن رئيس الرؤساء ليجلس بين قاضي القضاة وبين الأمير أبي نصر ، فمنعه فتناوشوا فكتب أستاذ الدار يشكو فخرج الأمر بإنهاء أبي نصر ، وأخرجه من دار الخلافة فأخرج من بيته ماشيا إلى باب النوبي .

وفي يوم الجمعة خامس عشر ذي القعدة : جلس ابن العبادي الواعظ بجامع السلطان ، وحضر عنده السلطان مسعود فوعظه وعرض بذكر حق البيع وذكر ما يجري على المسلمين من ذلك ، ثم قال له : يا سلطان العالم أنت تهب مثله لمطرب ومغن بقدر هذا المأخوذ من المسلمين تهبه لي وتحسبني ذلك المطرب واتركه للمسلمين وافعله شكرا لما أنعم الله به عليك من بلوغ الأغراض فأشار بيده إني قد فعلت فارتفعت الضجة [ ص: 50 ] بالدعاء له ونودي في البلد بإسقاطه وولي ابن الصيقل حجبة الباب وخلع على نقيب النقباء خلع النقابة .

وانتشر جراد عظيم ، وطيف بالألواح التي نقش عليها ترك المكس في الأسواق ، وضربت بين يديها الدبادب والبوقات .

وفيها : حج الوزير نظام الدين أبو المظفر بن علي بن جهير ، وحججت أنا ومعي الزوجة والأطفال ، وكنت أرى الوزير في طريق مكة متواضعا وقد عاد له أبو نصر الكرخي .

وخرج في هذه السنة التشرينان وكانون الأول ، ولم يأت مطر إلا قطرات لا تبل الأرض ، وأشرفت المواشي على العطب من قلة العشب ، وظهر بالناس علة انتفاخ الحلق ، فمات به خلق كثير ، وغارت المياه من الأنهار والآبار .

التالي السابق


الخدمات العلمية