الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
وكفالة العبد التاجر أو غير التاجر عن سيده بمال أو بنفسه بغير إذنه باطلة ; لأن الكفالة تبرع وهو منفك الحجر عنه في التجارات دون التبرعات فلا تصح منه الكفالة بالنفس والمال عن المولى بغير إذنه كما لا يصح عن سائر الأجانب وإنما يعني بهذا أنه لا يطلب به في حال رقه . فأما بعد العتق فهو مأخوذ بذلك ; لأنه مخاطب من أهل الالتزام في حق نفسه وإن كفل بنفسه بإذنه فهو جائز ; لأن المانع من صحة التزامه في الحال حق مولاه دون حق غيره من غرمائه فإن الكفالة بالنفس لا تلاقي حق محل الغرماء فلهذا نفذ منه بإذن المولى سواء كفل عن المولى أو عن الأجنبي وهذا ; لأن أكثر ما يجب بهذه الكفالة حبسه إن لم يحضر نفس المطلوب وذلك يوقع الحيلولة بين المولى وبين خدمته فلهذا جاز بإذن المولى ، وإن كفل عنه بالمال بإذنه وليس عليه دين فهو جائز ; لأن الحق في ماليته لمولاه وهو يملك أن يجعله مشغولا بالدين بأن يرهنه أو يقر بالدين ، وكذلك إذا أذن له حتى كفل عنه فإن أداه بعد العتق لم يرجع على سيده عن زفر رحمه الله أنه يرجع عليه ; لأنه قضى دينه من خالص ملكه بأمره فيرجع عليه كما لو أمره بالأداء بعد العتق ولكنا نقول : إن الكفالة حين وقعت لم تكن موجبة له شيئا على المولى فإن العبد لا يستوجب دينا على مولاه فلهذا لا يرجع عليه إذا أداه بعد العتق وهذا لما بينا أن الكفالة توجب للطالب على الكفيل حقا ، وللكفيل على الأصيل إلا أن ما يجب للكفيل على الأصيل مؤجل إلى وقت أدائه ولهذا لو أبرأ الكفيل الأصيل قبل أدائه عنه ; كان صحيحا ولا يرجع إذا أدى بعد ذلك فتبين بهذا أن المعتبر وقت الكفالة ، وعند ذلك لم يكن العبد ممن يستوجب شيئا على مولاه ، وإن كان عليه دين يستغرق [ ص: 13 ] قيمته لم يلزمه الكفالة في حال رقه ; لأن المولى في ماليته كأجنبي آخر .

( ألا ترى ) أنه لا يملك شغله بالدين بالإقرار عليه ولا بالرهن ، فكذلك بإذنه بالكفالة عنه . ولكن الالتزام منه صحيح في حق نفسه حتى إذا عتق كان مطالبا به ، وإن مات السيد وترك مالا وأعتق العبد عند موته فإن غرماء العبد يستسعونه في قيمته ولا شيء لغرماء السيد من هذه القيمة ; لأن هذه القيمة ; بدل مالية العبد . وغرماء العبد حقهم أسبق تعلقا بماليته من حق غرماء السيد . ( ألا ترى ) أنه لو لم يعتقه حتى مات ; لكان يباع العبد ويصرف ثمنه إلى غرمائه دون غرماء السيد . فكذلك حكم هذه السعاية ولكن غرماء السيد يبيعون مال السيد . وإن شاء غرماء العبد تبعوا مال السيد بقيمة العبد أيضا ; لأنه صار مستهلكا محل حقهم بعتق العبد فوجب لهم قيمة العبد دينا في تركته بعد موته ثم إن عند أبي حنيفة - رحمه الله - لا تنفذ الكفالة ما لم يفرغ من السعاية ; لأن المستسعى في بعض قيمته عنده كالمكاتب . وكفالة المكاتب لم تصح . وعندهما متى عتق نفذت الكفالة ; لأنه عندهما حر عليه دين ، والمكفول له إن شاء اتبع مال السيد ; لأن أصل دينه عليه ، وإن شاء اتبع العبد لصحة كفالته بعد عتقه غير أنه لا يشارك غرماءه في تلك القيمة ; لأنها بدل ماليته ولم يثبت له مزاحمة مع غرماء العبد في ماليته .

فكذلك في بدل المالية فإن كان مكان العبد أم ولد فعتقت فإن صاحب الكفالة يستسعيها مع غرمائها بماليتها إذ لا مالية فيها ولكن الديون تتقرر في ذمتها بعد العتق فتؤمر بقضاء ذلك كله والمكفول له أخذها . والمدبرة بمنزلة العبد في ذلك لقيام المالية فيها ولا يرجع واحد منهم على السيد بشيء مما يؤدي عنه من الكفالة ; لأنهم كانوا مملوكين له عند الكفالة . والمملوك لا يستوجب الدين على مالكه فإن في المدبرة ينبغي أن يثبت لغرمائها حق الرجوع في تركة المولى بقيمتها بخلاف العبد ; لأن المولى بإعتاق المدبرة لم يصر مستهلكا من حق الغرماء شيئا إذ لم يكن لهم حق بيع الرقبة في الدين وإنما كان حقهم في الكسب وذلك حاصل لهم قلنا هو كذلك ومراد محمد - رحمه الله - من هذا اللفظ : المساواة في إيجاب السعاية في القيمة على المدبرة والعبد دون الولد على أن المالية كانت قائمة في المدبرة حتى لو غصبها غاصب ; ضمن قيمة ماليتها وكان ذلك لغرمائها فلهذا يجب عليها السعاية في قيمتها لغرمائها كالعبد ، وكذلك إذا كان المال على السيد من كفالة فأدى عنه العبد كأدائه بنفسه فيستوجب الرجوع به على الأصيل . وذكر عن شريح - رحمه الله - أنه قال لا كفالة للعبد . ومعناه أنه ليس له حق ولاية الكفالة بالنفس والمال ; لأنه تبرع بالتزام وهو محجور عنه لحق مولاه .

التالي السابق


الخدمات العلمية