الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
ولو كان لرجل ظلة أو كتف شارع على طريق نافذ فخاصمه رجل فيه وأراد طرحه فصالحه من ذلك على عشرة دراهم كان الصلح باطلا ويخاصمه في طرحه متى شاء ; لأن هذا الطريق النافذ حق جماعة المسلمين فلا يمكن واحد منهم أن يعتاض عنه شيئا فصاحب الظلة لا يستفيد بهذا الصلح حق الإقرار ; لأن لكل مسلم أن يخاصمه في طرحه والذي خاصمه كان محتسبا في ذلك فارتشى لترك الحسبة وذلك حرام وهذا ; لأن من أصل أبي حنيفة رحمه الله أن لكل مسلم أن يمنع من وضع الظلة على طريق المسلمين وأن يطالب الرفع بعد الوضع سواء كان فيه ضرر أو لا ضرر فيه وعند أبي يوسف ومحمد رحمهما الله إن كان فيه ضرر فكذلك الجواب ، وإن لم يكن فيه ضرر فلكل مسلم حق المنع في الابتداء وليس له أن يخاصم في الرفع بعد الوضع ; لأنه قاصد إلى الإضرار بصاحب الظلة غير دافع الضرر عن المسلمين وقد روي عن أبي يوسف رحمه الله لا يمنع في الابتداء إذا لم يكن فيه ضرر كما لا يرفع بعد الوضع وأبو حنيفة رحمه الله يقول : الطريق مشترك بين جميع الناس وكل واحد منهم بمنزلة الشريك في الطريق الخاص فكما لا يعتبر هناك الضرر في ثبوت حق المنع والرفع فكذلك هنا ولو كان على طريق غير نافذ فخاصمه رجل من أهل الطريق وصالحه على دراهم مسماة كان جائزا ; لأن شركة [ ص: 145 ] أصحاب الطريق شركة ملك ولهذا يستحقون به الشفعة فهذا المصالح ملك نصيبه من صاحب الظلة وتمليك ما هو مملوك له بعوض صحيح فإن قيل صاحب الظلة لا يستفيد بهذا الصلح شيئا ; لأن لسائر الشركاء أن يخاصموه في الطريق قلنا لا كذلك بل يستفيد من حيث إن سائر الشركاء لو صالحوه أيضا لم يكن له أن يخاصمه في الطريق وهذا ; لأنه بالصلح يتملك نصيبه فيصير كأحد الشركاء في وضع الظلة على هذه الطريق حتى إذا رضي شركاؤه بذلك كان له حق قرار الظلة وبعض المتقدمين من أصحابنا رحمهم الله كان يقول تأويل هذه المسألة أن الظلة على ما هي على الطريق فالمصالح يصير مملكا نصيبه من وضع أصل البناء وذلك جائز

فأما إذا لم يكن كذلك فينبغي أن لا يجوز ; لأنه يصير مملكا نصيبه من هواء الطريق وتمليك الأهواء بعوض لا يجوز والأصح هو الأول ; لأن هواء الطريق الخاص مشترك بينهم كأصل الطريق وإسقاط الحق عن نصيبه من هواء الطريق بعوض صحيح كما يصح إسقاط الحق فيه بغير عوض ولو صالحه على مائة درهم على أن يطرح الظلة عن هذا الطريق كان جائزا ; لأن فيه منفعة لأهل الطريق فكان المفيد للمال صالح عن نفسه ليوصل المنفعة إليهم بإزالة الشاغل عن هواء طريقهم وذلك جائز وتأويل هذا أن الظلة كانت على بناء مبني على الطريق وصاحب الظلة يدعي ملك ذلك الوضع لنفسه أو يدعي حق قرار الظلة بسبب صحيح فسقط حقه بما يأخذ من المال بطريق الصلح على الإنكار وذلك جائز من أحد الشركاء عن نفسه وعن أصحابه بطريق التبرع كصلح الفضولي

التالي السابق


الخدمات العلمية